بدأت الإدارة الأميركية، في إبداء مؤشرات "تعب" من الشرق الأوسط، ليس لأن الشرق الأوسط يشهد تحديات ضخمة بل لأن العالم يشهد تحديات ضخمة كثيرة.
وأكد مسؤولون أميركيون، أنه "من الضروري النظر أولاً إلى أولويات السياسة الخارجية الأميركية وأولويات الأمن القومي الأميركي". وأكد أحد المسؤولين الأميركيين أن الإدارة الحالية، وعلى غرار إدارة دونالد ترامب السابقة، "تعتبر أن التحديات الأهم والأكبر هو تصاعد قوة الصين والخطر الروسي الذي نشاهده الآن في شرق أوروبا".
ويصف الأميركيون التحدّي الصيني المتصاعد بكلام جدّي، فالصين بالنسبة لهم هي قوة اقتصادية ضخمة، وتقوم بأعمال تجارية غير مقبولة بحسب القواعد القانونية الدولية، وتسيطر على مصادر كثيرة من المواد الخام، وتبني الصين قوة عسكرية متسارعة القوة والخطورة، خصوصاً الترسانة النووية، والأسوأ بالنسبة إلى الأميركيين أنها تهدّد باستعمال هذه القوة الاقتصادية والعسكرية المتنوّعة، لفرض واقع سياسي مثل احتلال تايوان أو السيطرة على المضائق الحيوية.
أما روسيا فقد خرقت، بنظر الأميركيين، الكثير من الخطوط الحمر، فشنّ "هجوم" على دولة جارة، ومحاولة "إسقاط" الدولة الأوكرانية بالقوة العسكرية، هو تعبير عن هذا الخطر الذي يهدد استقلال الدول الجارة، ويهدّد أوروبا "الحرّة" بعدما تحرّرت من السيطرة الشيوعية قبل 30 عاماً.
هذان الخطران، الصيني والروسي، يستهلكان الكثير من القدرات العسكرية والدبلوماسية الأميركية، فالمسؤولون الأميركيون يشيرون لدى التحدّث عن هذين الخطرين، الروسي والصيني، إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع دول المحيط الهادئ ومع دول أوروبا ومجموعة الدول الصناعية على وقف تصاعد هذه المخاطر، لكن هذا التعاون ليس بديلاً عن الحضور الأميركي، خصوصاً الحضور العسكري.
اضطرت الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية إلى نشر حاملتي طائرات في شرق آسيا، ومع هذه الحاملات عشرات السفن الحربية الأميركية، وآلاف الجنود الأميركيين، كما اضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر إلى أوروبا لمواجهة التقدّم الروسي، وحماية الجبهة الشرقية لحلف الأطلسي.
وصلت مخزونات الأسلحة لدى الأميركيين إلى نسب منخفضة في العام 2023 وكانت خريطة العالم مليئة بالقوات الأميركية عندما وقع هجوم 7 أكتوبر.
اضطرت الولايات المتحدة مع هذا الهجوم إلى توجيه أسراب من القوات الجوية إلى الشرق الأوسط، كما وجّهت حاملة طائرات من المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط ووصلت القوة العسكرية الأميركية إلى حدود "الاستعمال الكامل" في بداية العام 2024.
نجح الأميركيون في وضع "حدّ للتصعيد"، وعملوا بجهد فائق لمنع انتشار الاشتباكات في العراق وسوريا، وكانوا يعملون من خلال الاتصال بإيران على وقف هجمات الحوثيين، وعلى وقف الاشتباكات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لكن هذه المساعي فشلت، وحصل ما هو أسوأ عندما قتل الإسرائيليون مسؤولاً كبيراً في الحرس الثوري الايراني بدمشق، وردّت ايران بقصف الأراضي الإسرائيلية.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين: "يجب أن تفهم أن أولويتنا في مكان آخر"، وتابع قائلاً: "إن الولايات المتحدة قوة ضخمة، هذا أكيد، لكن العالم مسرح ضخم أيضاً"، ونبّه بشيء من الحدّة إلى أن "أولوية الولايات المتحدة هي الصين وروسيا وليس الشرق الأوسط".
لا يجب أن نفهم من كلام هذا المسؤول الأميركي أن الشرق الأوسط غير مهم بالنسبة لواشنطن، بل إن الإدارة الأميركية أكدت على أن الشرق الأوسط جزء أساسي من المصالح الحيوية الأميركية، وتريد إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن إقامة علاقات متينة مع دول هذه المنطقة "لكننا لا نريد أن نقوم بالمهمة لوحدنا"، بحسب المسؤول الأميركي.
يحتاج الأميركيون لإعادة قدراتهم العسكرية، وحتى الدبلوماسية، إلى منطقة المحيط الهادئ، إلى أن تحمل الأطراف الإقليمية العبء المباشر في مواجهة المخاطر.
يسرد الأميركيون لائحة المخاطر بدءاً من التهديد الإيراني المستمر، مروراً بالحوثيين وحماية المضائق الاستراتيجية، وصولاً إلى سوريا والعراق ومواجهة داعش، لكن المسؤولين الأميركيين يتحدثون عن نقص كبير لدى دول المنطقة في امتلاك العتاد الضروري، خصوصاً القطع البحرية والرادارات التابعة لها، ومنظومات الدفاع الصاروخي البحرية، كما أنهم يشيرون إلى نقص حاد في التدريب على استعمال العتاد والمنظومات الدفاعية المتوفرة لدى هذه الدول.
من خلال الحديث إلى المسؤولين الأميركيين يتشكّل لدى المستمع انطباع بأن الأميركيين تعبوا، وقد تعب الجنود المنتشرون في المنطقة، ويريدون بديلاً في وقت سريع لتغيير خريطة انتشارهم في الشرق الأوسط، وخفض القوات الأميركية في هذه المنطقة وإعطاء الجنود والخزانة الأميركية استراحة ثم العودة إلى "المسرح الأهم".