أولى الإسلام والتشريعات القانونية، الزواجَ أهميةً خاصة في حياة الفرد، واعتبر عقد الزواج واحداً من أهم العقود، لأنه الطريق المستقيم إلى استحلال ما كان حراما.
ولا يخفى أن الأصل في عقد الزواج التأييدُ، وهذا رافدٌ آخر يؤكد خطورة هذا العقد؛ لأن على الإنسان أن يتحمل آثار هذا العقد ما أبقى عليه، والأصل أن يبقيَ عليه مدة حياته، ومن المعلوم أن ثمرة الزواج هي تكوينُ الأسرة، والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فاستقرار المجتمع كله متوقف على استقرار الأسر المكونة له، وهذا يؤكد خطورة موضوعة الزواج وأهميتها في كل الأديان والمجتمعات.
أما اذا لم يكن الحال وفق ما تقدم، كأن يعد الرجل الزواج بامرأة، ثم ما يلبث ان ينقض هذا العهد تحت مسميات وأسباب كثيرة، ما يمكن من إلحاقَ الضرر المادي أو المعنوي بالطرف الآخر، حينها تستحيل الوعود إلى أمنيات (مجهضة ومجهدة) فلا الوعد وعدا ولا العهد عهدا.. فلماذا يعد الرجل بما لن ينفذه؟ وما هي عقوبة من يؤدي عدم الوفاء بالوعد في هذا الجانب؟ وهل يمكن اعتبار ذلك بمثابة تنامي ظواهر اجتماعية غير محمودة؟
رؤية قانونية
وتناول "القضاء" حالة عدم إيفاء الشخص بوعد الزواج من فتاة، عبر مقابلة مع القاضي حيدر ناجي للحديث عن المعالجات القانونية لهذه الحالة.
يقول القاضي ناجي أن "المشرع العراقي عالج بموجب قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ الزواج والمسائل المتعلقة، به وعرف عقد الزواج بموجب المادة الثالثة/١ منه على انه (عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل)، كما عالج موضوع الوعد بالزواج بموجب المادة الثالثة/ ٣ من القانون والتي نصت على أن (الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة والخطبة لا تعتبر عقداً) وهذا النص مستل من أحكام الفقه الإسلامي".
واسترشد عضو محكمة الجنايات في الكرخ بالأدلة القانونية عن الموضوع قائلا إن "الوعد بالزواج من وجهة النظر القانونية عهد بإبرام عقد الزواج مستقبلاً لذا يعتبر الوعد بالزواج مباحا لذاته"، منوهاً بأن "ذلك الوعد يقع تحت طائلة النص العقابي حينما يكون ذريعةً يُنفذ من خلالها الجاني رغبتهِ بمواقعة من وعدها بالزواج وعلى وفق المادة ٣٩٥ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل التي نصت على: (من أغوى أنثى أتمت الثامنة عشرة من العمر بوعد الزواج فواقعها ثم رفض بعد ذلك الزواج بها يعاقب بالحبس)".
وأوضح ناجي "في حال عدم توافر أي من مشترطات النص كأن حصل وعداً بالزواج فقط دون اية معطيات اخرى فحين ذاك يتعذر تطبيق النص القانوني المذكور"، مستدركا أن "الوعد المجرد بالزواج لا يشكل فعلاً معاقبا عليه قانوناً إلا اذا اقترن بالإغواء والمواقعة للمجنى عليها وكانت قد أتمت الثامنة عشرة من عمرها جاعلا اياها تعيش في توهمات الزواج والحياة المشتركة قاصداً من ذلك مواقعة المجنى عليها لا أكثر".
وأضاف القاضي ناجي في توضيح آخر أن "الادلة التي تستند اليها المحكمة في هكذا نوع من الجرائم هي شهادات الشهود والتقارير الطبية العدلية المتعلقة بفحص وتحري التلوثات المنوية واثار السدومية وفحص غشاء البكارة وكذلك الادلة الالكترونية المتمثلة بالمحادثات الجارية بين الطرفين المسحوبة من الهواتف النقالة ومقاطع الفيديو المرئية ومحاضر تفريغ المحادثات الصوتية ومطابقة بصمات الصوت وغيرها فضلاً عن اعتراف المتهم فكل هذه الأدلة اذا ما توافرت تكون الاقتناع الكافي للحكم".
بيد ان القاضي ناجي لفت إلى ان "هذا النوع من الجرائم يحصل بالخفاء ولا تتضح آثاره الا بعد حين والسبب يرجع في ذلك لعزوف المجنى عليها عن الإخبار خوفاً من الفضيحة التي تطالها وذويها لما ينطوي عليه الفعل من مخالفة للقيم والأعراف والخلق القويم"، لافتا إلى أنه "كثيراً ما يحصل ان يبتز الجاني المجنى عليها لحملها على دفع مبالغ مالية او غيرها بعد حصول المواقعة لقاء عدم فضحها واكتشاف أمرها".
دعوات اجتماعية
وفي السياق ذاته، دعت منظمات مجتمع مدني إلى وجوب تمسك الفتاة بحقها القانوني وألَّا يمنعها الخجل من رفع دعوى على الشخص الذي خدعها ومن الضروري أن تمسك دليل على ذلك، كرسالة او مكالمة وعد الجاني فيها الزواج منها.
وفي هذا الشأن، تنوه الناشطة منى الهلالي بأن "القانون وضع شرط المواقعة وفض البكارة للعقوبة.. وكنا نتمنى اخذ الجانب النفسي للفتاة حتى لو لم تتم المواقعة"، لافتة في حديثها الى إن "عزوف الشابات عن رفع الدعاوى بسب التشهير والخوف من القتل غسلا للعار سيجعلها تقع في فخ ثان هو اعادة غشاء البكارة ودفع اموال وقصة من المعاناة".
وتؤكد الناشطة النسوية ان "منظمات المجتمع المدني تسعى إلى رفع وعي كلا الجنسين بخطورة موضوع الوعود، فضلا عن توجيه الفتيات إلى تقديم الشكوى او اللجوء إلى اشخاص محل ثقة من الأقارب او منظمات المجتمع المدني لمعالجة الامر بحكمة يضمن للفتاة حقوقها".