لا تمس آثار الطلاق الزوجين والأبناء فقط، بل تمتد إلى المجتمع عامة، وفكرة الطلاق لا تتولد فجأة لدى الأزواج الا وقد سبق هذه المرحلة خطوات تمهيدية للاصلاح بينهما ويأتي الطلاق بعدها كحل نهائي بعد فشل كل المساعي.
يتخذ الزوجان قرار الطلاق نتيجة لعدم الانسجام بينهما وكثرة الخلافات وعدم تفهم كل من الزوجين لعقلية الاخر وعدم احترام آرائه، وقد تحكمها الامزجة وتتحكم فيهما الطباع ويولد التنافر بين الزوجين وتنهض بعد ذلك عوامل الفشل واعراض الفرقة وقد تكون هذه العوامل نفسية او مادية.
قضاة محاكم الاحوال الشخصية تحدثوا عن الأسباب الحقيقية لظاهرة الطلاق وطرحوا ما يمكن من الحلول والمعالجات.
وبحسب القضاة فأن في مقدمة الأسباب لحالات الطلاق مؤخرا استخدام الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة سلبية، وحصول الخيانة الزوجية وهجر الزوج لزوجته أو الحكم عليه لمدة طويلة بالسجن أو إدمانه الزوج على الخمور والمخدرات.
وأضاف القضاة لهذه الأسباب تفاقم الزواج المبكر واختلاف المستوى الثقافي والعلمي بين الزوجين، وتدخل الأهل في حياة الأزواج وعدم الإنفاق والعمل من قبل الزوج.
أميّة أسرية
ومن جهته، القاضي صباح حبيب حسين قال إن "أسبابا عدة أدت إلى ارتفاع نسب الطلاق، منها مسألة الاختيار غير المناسب والاعتماد على الشكل وعدم التكافؤ بين الزوجين في الجانب الثقافي، فضلا عن جهل الازواج لطريقة التعامل فيما بينهم وعدم فهم نفسية الزوج للآخر وهو ما يمكن ان نسميه (الامية الاسرية)، وقد يكون الزوجان أو أحدهما صغيرا في السن، فضلا عن سوء التنشئة الاجتماعية إذ الكثير منهم تكون لديه صفة اللامبالاة والاهمال وعدم تقديس الحياة الزوجية، وكذلك دور الاهل السلبي وتدخلهم في حياة الزوجين بعد اختيارهم لزوجة الابن بغض النظر عن رأيه أو رغبته وكذلك بالنسبة للبنت".
ولا ينسى القاضي "استخدام الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة سلبية وحصول الخيانة الزوجية".
وأضاف أسبابا اخرى لحالات الطلاق ومنها "هجر الزوج لزوجته أو الحكم عليه بالسجن لمدة طويلة، اضافة إلى ادمان الزوج على شرب الخمر وتناول الحبوب المخدرة ما يؤثر ذلك على العلاقة الزوجية".
فيما ذكر القاضي محمد عبد الرحمن طعمة إن "حالات الطلاق ازدادت في السنوات الحالية لعدة أسباب، منها الزواج المبكر كون الزوجة القاصرة أو الزوج القاصر لم يكتمل لديهم النضوج العقلي في تحمل أعباء الزواج وتكوين أسرة، إضافة إلى البطالة وتفاوت المستوى الثقافي والعلمي بين الزوجين".
كما تحدث عن تأثير غير مباشر في سرعة انهاء العلاقة الزوجية يكمن بـ"وجود مكاتب بالقرب من بعض المحاكم متخصصة بعقود الزواج والطلاق" وذلك لقيامهم بتنظيم محاضر الطلاق والمخالعات خارج المحكمة، وتفضل تلك المكاتب الربح المادي على حساب الأسرة حيث تقوم بإقناع الزوجة بإقامة عدة دعاوى ضد الزوج بحجة حصولها على حقوقها الزوجية، كذلك تنظيم محاضر الطلاق في وقت تكون علاقة الزوجين في حالة توتر".
من جانبه تحدث القاضي عدنان حسين علي عن عوامل أخرى للطلاق تتعلق بعدم الإنفاق وعدم العمل من قبل الزوج والأمور التي نهت عليها الشريعة الإسلامية مثل السحر والشعوذة وغيرها والعلاقات غير الشرعية بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ونشر الافلام والمسلسلات التي تروج للخيانة الزوجية ومتابعة هذه المسلسلات من قبل الزوجين.
ومن جانبهما، أشار القاضيان غازي جليل عبد ونوفل محمد رميض إلى أن ضعف الحالة المادية للزوج تؤثر سلبا على العلاقة الزوجية، وكذلك فارق العمر بين الزوجين بما يزيد عن عشر سنوات أو اكثر وبالتالي يولد عدم الانسجام".
فيما أرجع كل من القاضي عمار هادي علوان وعبد الرضا عبد نور حالات الطلاق إلى قلة الوعي وعدم وجود لغة تفاهم بين الطرفين مع عدم تحمل المسؤولية والحياة الزوجية.
وعن الأسباب أيضاً، يلفت القاضي اثير فاهم محسن إلى أن زواج القاصرات وصغار السن سبب مؤثر في حالات الطلاق، مشددا على اهمية بيان المسؤولية الملقاة على عاتق الازواج عند اختيار الطلاق وابداء النصح والارشاد مع تشريع نصوص عقابية صارمة بحق الاباء.
من جانبه يرجع القاضي حكم شاكر محسن الطلاق إلى "اسباب اجتماعية واقتصادية، فالاسباب الاجتماعية تتعلق بالعادات والاعراف الاجتماعية فيما تعود الاسباب الاقتصادية إلى تزويج الابناء وهم غير مؤهلين للزواج وغير ملمين بمسؤولياته"، مشيرا إلى أن "السبب الرئيسي يكمن في أن الاباء يقومون بتزويج بناتهم خارج سن الضرورة وبأعمار صغيرة جدا دون (14) عاما والحل يكمن بفرض عقوبات صارمة على الاباء ايضا".
ويتفق القاضي محمد عبد الباقي الميالي مع زميله في صغر عمر الازواج والحالة المادية والتفكك الاسري لبعض العوائل"، لافتا إلى انه "يجب تشديد العقوبة الجزائية للزوج الذي يقوم باجراء عقد زواجه خارج المحكمة وكذلك الاخذ بنظر الاعتبار جدية الاسباب التي تقدم في حجة الضرورة من قبل ذوي القاصرات عندما يطلبون زواجهن قبل اكمال السن القانوني وعدم اجابة هذه الطلبات الا للضرورة الملحة".
سكن مستقل
وتحدث القاضي الأول لمحكمة الأحوال الشخصية في العمارة القاضي علي رسمي حسين أن "هناك زيادة في كل سنة باعداد الطلاق ويعود ذلك لاسباب عدة منها عدم توفر سكن مستقل والجهل عند الزوجين وعدم الوعي وانتشار المخدرات، فضلا عن الاعراف العشائرية والتقاليد التي كانت عاملا آخرا لزيادة حالات الطلاق، داعيا إلى منع زواج القاصرات وتجريمه قانونيًا بعقوبات مشددة للحد من هذه الظاهرة".
من جانبه، القاضي احمد جاسب الساعدي يؤكد "تعرض منظومة القيم الاجتماعية والدينية إلى تحد كبير جراء الانفتاح على قيم جديدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتصدع هذه القيم واستسهال حالات الطلاق واعتباره حالة عادية في المجتمع بعد ان كان يعتبر لعقود مضت انه حالة مرفوضة ، فضلا عن انتشار البطالة وازمة السكن، كما أن انحدار المستوى العلمي والثقافي وانتشار الجهل والامية بين اوساط الشباب وزواج القاصرين والقاصرات ومكاتب الطلاق خارج المحكمة ومساهمتها كل هذه النقاط ساهمت في ازدياد حالات الطلاق".
لكن القاضي حسن عبد الجبار أوضح أنه قياسا بعدد عقود الزواج في السنوات الحالية لا توجد زيادة في حالات الطلاق حيث ان الزواجات زادت بشكل كبير وان حالات الطلاق تتناسب مع حالات الزواج، لافتا إلى ان اسباب الطلاق بصورة عامة تعود الى حالات الفقر والبطالة والخيانة الزوجية والاختلاف في المستوى العلمي والثقافي لكلا الزوجين فضلا عن ضعف التمسك بالقيم والاعراف واستعمال العنف الاسري من قبل الزوجين ، كما أن وجود عوامل أخرى ساعدت في هذه الظاهرة منها تناول المخدرات والمسكرات".
فيما أكد القاضي ضياء قاسم الهلالي أن اسبابا يمكن حصرها بعدة نقاط في موضوع ازدياد حالات الطلاق منها الاندفاع للزواج من قبل طرفين غير ناضجين عمريا وثقافيا وغالبا ما يكون هذا الزواج متأثرا بما يتم نشره من قصص وأفكار يروج لها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي غير الخاضعة للرقابة وبدافع غريزي غير مبني على التفكير بإنشاء اسرة، كما يكون هذا الزواج دون توفر الامكانات المالية التي تساعده على ديمومة الحياة، وعليه فان ازدياد حالات الزواج وفقا للمعطيات المذكورة قد ولد نتائج عكسية ادت إلى ازدياد حالات الطلاق".
فيما بين القضاة ان هنالك معالجات وحلول للحد من ظاهرة حالات الطلاق ومنها:
السماح للقضاء بأخذ الوقت الكافي في دعوى الطلاق لإصلاح ذات البين بين الزوجين والتأني وعدم الاستعجال في اصدار قرار الطلاق وبذل الجهود من قبل الباحث الاجتماعي وتحديد سن قانوني للزواج وهو ثمانية عشر عاما والعمل على زيادة الرسوم على الزواج خارج المحكمة وتوجيه وتقديم النصائح من قبل الاهل الى ابنائهم المتزوجين في سن مبكرة واعطاء الشاب والفتاة الحرية في اختيار الزوج وعقد مؤتمرات وندوات تثقيفية.
حملة وطنية
فيما شدد القاضي احمد جاسب الساعدي على اهمية اطلاق حملة وطنية من كافة الجهات ذات العلاقة من إعلام وجامعات ومؤسسات دينية وثقافية وتشريعات للتنبيه بمخاطر هذه الظاهرة وضرورة إصدار تشريع يجرم الطلاق خارج المحكمة ويجرم من يباشر إجراءه، مؤكدا أن القوانين بحاجة دائمة لمعالجة نواقصها التشريعية ويمكن اعتبار تعديل بعض النصوص القانونية سيساهم في حل جزء من مشكلة الطلاق وتجريمه خارج المحكمة والذي اصبح ضرورة ملحة للحد منها.
كما اوجز القاضي حسن عبد الجبار عدة نقاط هامة واليات يجب اتباعها للحد من حالات الطلاق وهي توفير فرص عمل لكلا الزوجين مع اقامة دورات تثقيفية وتوعية بالتمسك بالحياة الزوجية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل صحيح مع تقديم النصح والارشاد للزوجين وللاهل بعدم التدخل بشكل سلبي في سير الحياة الزوجية والاحترام المتبادل بين الزوجين وتوفير سكن مستقل للزوجين للحد من المشاكل العائلية مع التحمل والتسامح من قبل الزوجين لتخطي العقبات التي تواجههم.
وللحد من هذه الظاهرة تحدث القاضي ضياء قاسم الهلالي قائلا إنه يجب اتخاذ الاجراءات التالية ومنها غلق كافة مكاتب الزواج والطلاق وتفعيل نص المادة 10/ احوال شخصية بشكل صحيح مع حظر المواقع الاباحية و اللااخلاقية بشكل كامل اذ ان الغريب في الامر ان العراق هو الدولة الوحيدة التي لا يوجد فيها حظر على مواقع الانترنيت التي تبث افكارا كارثية ساهمت بشكل كبير في تفكك الاسرة العراقية وهي بمثابة غزو معادٍ من نوع جديد لا يقوم على احتلال الاراضي وانما يقوم على احتلال العقول وهدم الافكار وبث العادات المعيبة وتقويض الاعراف والتقاليد الحميدة للمجتمع العراقي.