ألقى رئيس الجمهورية برهم صالح، اليوم الإثنين 3 تشرين الأول 2022، كلمة في الحفل التأبيني بالذكرى الخامسة لرحيل الرئيس جلال طالباني الذي أقيم في أربيل عاصمة إقليم كردستان.
وفي ما يلي نص الكلمة:
"نجتمع اليوم لنستذكر معاً فقيدنا الكبير مام جلال.. الغائب الحاضر بيننا.. العم والأخ الأكبر والقائد والمناضل الذي كرّس حياته لخدمة وطنه وشعبهِ.. فترك إرثاً حياً نفتخرُ به جميعاً.. وبصماتٍ خالدة في مسيرةِ النضال الكردستاني والعراقي من أجل الحرية والديموقراطية، واضعاً حياته على المحك.. غير مُبالٍ بأشد الاخطار والعواصف والمحن.
مام جلال حاضرٌ في حياةِ شعبه وماثل في وجدان مواطنيه حتى بعد رحيلِه وانتقالِه إلى رحمةِ ربٍّ كريم. إنه من نمطِ الزعماء الذين يحفظُهم التاريخ في أكثر من صفحاتِه إشراقاً، بينما هم أحياءٌ في أعماقِ وضمائر أممِهم.
في هذه الذكرى استعيدُ بعضاً من رائعةِ صديقِه الجواهري الكبير في الثناء على الزعيم مام جلال طالباني:
شوقاً "جلالُ" كشوقِ العينِ للوَسَنِ
كشوقِ ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ
شوقاً إليكَ وأنتَ النورُ مِنْ بصري
وأنتَ مني محلّ الرَّوحِ في البدنِ
ليس من السهل أن يتفق العراقيون على رجل، لكنهم اتفقوا على مام جلال. يذكره بالخير كل مخلص أمين، ويشيد بقدرتِه أن يكون رمزاً في الحركة القومية الكردية والحركة الوطنية الديمقراطية ثم رئيساً استثنائياً في تاريخنا الحديث. وما وصف سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني لمام جلال بأنه صمام الأمان في العراق إلا وصف دقيق لما كان يمتلكه من توازن وحرص على السلم الأهلي والوئام المجتمعي. هكذا أحبَّ العراقيون بمختلفِ أطيافِهم مام جلال حياً ونعوه راحلاً.
هذا التوازنُ الدقيق الذي بنى عليه مام جلال فكرَه ونضالَه هو بعضٌ من سمات القائد العظيم والنادر، وما كان مام جلال وهو بيننا وبعدما فقدناه إلا ذلك القائد العظيم حقيقة والنادر الذي ظل يحرص على حفظ هذا التوازن والسلم الأهلي في العراق.
وهذا هو النهج الذي حرصنا، نحن رفاقه وتلاميذه ومحبوه وأصدقاؤه، على أن نحافظ عليه وأن نديمه ونعززه.
الحضور الأكارم..
نستعيدُ ذكرى فقيدنا الغالي، وبلدنا يمرُ بظرفٍ استثنائي دقيق لا يخلو من مخاطر، وأن أمامنا جميعاً مسؤولية تاريخية ووطنية في رص الصف الوطني للخروج من الأزمة الراهنة، والشروع في بناء دولة مُقتدرة فاعلة تحمي مصالح البلد وتُعزز سيادته وتضمن سلامة مواطنيه، وتعمل على تلبية تطلعات العراقيين وشبابه الناهض في الإصلاح ومكافحة الفساد واحترام مرجعية الدولة والقانون… فلا يُمكن المراهنةُ أكثر على صبرِ شعبنا بالتطمينات ولا بالكلام ولا بالوعود.
وقطعا، ليس من المقبول استمرار الأزمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، ولا بد من إطلاق حوار جاد بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم يضع حلولاً دستورية وقانونية تأخذ في الاعتبار مصالح جميع المواطنين ولا تزج حقوقهم وأرزاقهم في الخلافات السياسية.
سيداتي سادتي..
لقد اختبر بلدنا وشعبنا الفواجع والمحن طيلة عقود من الزمن من الاستبداد والنزاعات والحروب والعبثية والإرهاب، ويعمل العراقيون، ومن خلال فعالياتهم السياسية والاجتماعية على طيّ هذه الصفحة وتأمين الاستقرار، والتأكيد على رفض العراق القاطع بأن تكون أرضه ميداناً لصراعات الآخرين وساحة لتصفية حساباتهم وتهديد أمنه واستقراره الداخلي، وكذلك أن يكون منطلقاً للعدوان على أي أحد.
إن تجاوز السيادة العراقية والأعمال الأحادية التي تهدد أمن العراق واستقراره وسيادته، وفي هذا السياق نؤكد على أن الحكومة العراقية وبما في ذلك حكومة إقليم كردستان لها المصلحة ولها القرار في أن تعمل معا ومع جيران العراق على إيجاد الحلول الفعلية الجدية للمشاكل الأمنية بما يحفظ سيادة العراق وأمنه واستقراره، فأمن العراق أمن المنطقة، فلا يمكن التجاوز على سيادة هذا البلد والقبول بتبعاته بدون تبعات خطيرة على مجمل المنطقة.
ربما نستطيع أن نقول نجحنا في تجاوز الكثير من الإشكالات واستطعنا إلى حد ما بالانطلاق ببلدنا من عنوان للتنازع إلى عنوان لتلاقي شعوب المنطقة، ونؤكد مرة أخرى هناك الكثير من التحديات المشتركة التي تواجه بلدان المنطقة، ولن تُجابه إلا عبر التعاون المشترك.
استقرار العراق واحترام سيادته يجب ان يكون الأساس لمنظومة الأمن المشترك في المنطقة واحترام الإرادة العراقية وأمن العراق يجب أن يكون مبحث اتفاق الكل.
ختاما أقول سيداتي سادتي، الحضور الكريم.. لو كان مام جلال معنا اليوم لكان يؤكد علينا التمسك بشدة الورد، ونجد أنفسنا أحوج ما نكون لمبادئه في جمع الكلمة ونبذ الخلاف وتوحيد المواقف وتجاوز الأزمات بمسؤولية مشتركة.
هذه الذكرى التي تجمعنا يمكنها أن تلهمنا الكثير مما كان يحرص صاحب الذكرى مام جلال على العمل عليه، وهو تعزيز مبادئ الحوار الجاد والصريح والمسؤول.
هذا بعضُ ما يلهمنا به مام جلال.
الرحمة لشهداء الحرية والرحمة الواسعة لفقيدنا الكبير
ودوام الذكر الطيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".