تعرف الرشوة الانتخابية بأنها جريمة تستهدف التأثير على سلامة العملية الانتخابية عبر التأثير على إرادة الناخب باستخدام المال أو الإغراء أو العرض بالوعد أو الهبات أو أي عمل من شأنه المس بحرية الناخب والتأثير عليه بعوامل داخلية أو خارجية تحيده عن اختياره السليم
ورغم صعوبة إثبات جريمة الرشوة الانتخابية إلا أن هنالك شبه إجماع تشريعي على تجريمها كونها تخل بحرية العملية الانتخابية.
وبهذا الصدد تحدث القاضي ناصر عمران عن الرشوة الانتخابية قائلا "لم تكن الرشوة الانتخابية معروفة وذات وقع تشريعي أو اجتماعي والسبب معروف هو اقترانها بتجربة الانتخابات التي هي الوسيلة الوحيدة لتولي السلطة وفقا للنظام الديمقراطي".
وأضاف عمران أن "فقهاء القانون يختلفون بطبيعة الانتخاب فبعضهم يراه حقا لكل فرد في المجتمع ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ (الاقتراع العام) واستنادا لهذا الرأي فمن حق كل فرد الإدلاء بصوته وممارسة حقه الانتخابي كما يحق له الامتناع عن استخدام حقه ويهمل ممارسته، فيما يرى آخرون أن الانتخابات وظيفة اجتماعية وبما أنها وظيفة اجتماعية فانه واستنادا لهذا الرأي فليس هناك حق للفرد أو الجماعة بالانتخاب".
ولفت إلى أن "الرشوة الانتخابية واحدة من الجرائم التي تهدف إلى عرقلة الآليات الديمقراطية حيث تستهدف حرية التصويت وإرادة الناخب فتقوم بالتأثير على هذه الإرادة عن طريق استخدام المال أو الوعد بمنحة أو جائزة بحيث توجه حرية الناخب وتمنعه من التعبير عن إرادته بعيدا عن التأثيرات ولم يقتصر الأمر على التأثير على إرادة الناخب فحسب وإنما يتجاوز ذلك لتكون إرادة المرشح ذاته فريسة لتلك الآفة حيث يقوم المرشح بالولاء لمن يدفع أكثر".
وعن أوجه الاختلاف بين الرشوة الواقعة على الوظيفة العامة والرشوة الانتخابية، بين القاضي ناصر عمران أن "الرشوة الانتخابية هي الفائدة أو العطية أو المنفعة أو الوعد التي يكون الغرض منها الاخلال بحرية التصويت من حيث التأثير على إرادة الناخب لحمله على انتخاب مرشح معين أو الامتناع عن التصويت بما يشكل إخلالا بالعملية الانتخابية والتي يجدر القول بان المصلحة الجنائية المنوطة بالحماية في الرشوة الانتخابية هي حسن سير العملية الانتخابية وسلامة ارادة الناخبين، اضافة إلى أن الرشوة الانتخابية محددة بإطار زمني فأفعال الرشوة تكون سابقة لعملية التصويت ومحصورة في نطاق مجريات العملية الانتخابية وقد تكون لاحقة عند التلاعب بعملية فرز الأصوات، والملاحظ على بعض التشريعات العقابية الانتخابية أنها لا تجرم المكافأة اللاحقة التي تم توجيه إرادة الناخب بناء عليها وهي الحرية بالتأثيم لأن المفترض في حسن سير العملية الانتخابية أن يصوت الناخب للمرشح دون أي وعود لاحقة ذات صفة شخصية فالوعود العامة هي جزء من البرنامج الانتخابي ويدخل في صميم عمل الدعاية الانتخابية".
وتابع أن "الوسيط في جريمة الرشوة الانتخابية هو حلقة الوصل بين المرشح والناخب وفي جريمة الرشوة الوظيفية يتوسط لصاحب المصلحة لدى الموظف العام للقيام بعمل أو الامتناع عنه، ويقوم الوسيط بدور مهم في العملية الانتخابية وهو غالبا ما يكون من أنصار وأقارب المرشح فيعمد إلى ارشاء الناخبين للتصويت لصالح المرشح الذي يناصره ويمكن أن نتصور وأن يكون الراشي أحد أعداء المرشح والذي يجتهد على عدم فوزه فيلجأ إلى استخدام الوسيط على إرادة الناخبين لغرض العزوف عن التصويت للمرشح".
وأشار إلى أن "هناك طرقا يستغلها الوسيط لإرشاء الناخبين حيث يعمد ومن خلال الدعاية الانتخابية والحملات الانتخابية والتي هي عبارة عن مجموعة من الأعمال التي يؤديها المرشحين لتعريف الناخبين بأنفسهم وما يحملونه من قدرات ومؤهلات وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لتحقيق المتطلبات المحلية فيستغل الوسيط هذه الأجواء الانتخابية في ارشاء الناخبين"، مبينا أن "القوانين والانظمة الانتخابية لم تشر بشكل واضح إلى تجريم الوسيط في جريمة الرشوة الانتخابية مثلما فعل المشرع العقابي الذي افرد مادة قانونية كما هو الحال في نص المادة 310 من قانون العقوبات العراقي والتي نصت (.. وكل من تدخل بالوساطة لدى الراشي والمرتشي لعرض رشوة أو لطلبها أو لقبولها أو لاخذها أو الوعد بها عد وسيطا)".
عقوبة جريمة الرشوة
وختم القاضي حديثه عن عقوبة الجريمة أن "جريمة الرشوة كانت ولا تزال مثارا لإشكاليات قانونية متعددة مبعثها اختلاف القوانين في تجريم فعل الرشوة إذ انتهجت القوانين في ذلك نظامين مختلفين الاول يرى انهما جريمتان متميزتان احدهما يرتكبها الراشي والاخرى المرتشي والرأي الاخر يرى بانها جريمة واحدة يرتكبها المرتشي والراشي وغيره من مساهمين في الجريمة ولا يخفى أن الاختلاف في الوصف يقود إلى اختلاف في الاحكام تظهر عند التطبيق وبخاصة في الاشتراك والشروع"، مشيرا إلى أن "المشرع العراقي ضمن بنظام الجرائم والعقوبات المتعلقة بالانتخابات والاستفتاءات رقم 14 لسنة 2008 وفي القسم الخامس من النظام فقرة (1) على عقوبة الرشوة الانتخابية حيث نصت على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أي شخص ارتكب أي فعل من الأفعال التالية وهي الأفعال التي وردت في الفقرات (أ ، ب، ج ، د ، هـ ) والتي تمثل صور جريمة الرشوة الانتخابية وبهذا يكون القانون العراقي قد أخذ بثنائية جريمة الرشوة الانتخابية ولم يتضمن النظام المذكور عقوبة الوسيط وترك الامر ربما للمعنى العام للنص لشمول الوسيط بالتجريم".