في ظل تعدد وانتشار مواقع السوشيال ميديا، وعدم المسؤولية في إبداء الآراء والتعليقات الشخصية، تشهد المحاكم ورود الكثير من دعاوى التشهير والإساءة، ولجهل الكثيرين في التفريق بين الإساءة أو التعبير عن الرأي، يحدث أن يجدوا أنفسهم أمام طائلة القانون والمساءلة القانونية، وفي هذا الاتجاه تحدث قاض متخصص عن أهم الصور الواردة إلى المحاكم من جرائم القذف والسب، لافتا إلى أنها من الجرائم التي تقبل الصلح وكذلك تعويض المتضرر أمام محاكم البداءة.
ويقول قاضي تحقيق محكمة الكرخ الثالثة عامر حسن شنتة، خلال حديث لـ”القضاء”، إن “التشهير والإساءة وبمختلف صورها تعد جرائم يعاقب عليها القانون وقد ورد النص عليها في المواد (٤٣٣) و (٤٣٤) من قانون العقوبات العراقي تحت مسمى جرائم (القذف) و(السب) وعاقب عليها، ولكنها مع ذلك تبقى من الجرائم التي يجوز الصلح فيها، كونها من جرائم الحق الشخصي المنصوص عليها في المادة (۳) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ما لم تكن تلك الجرائم قد وقعت على مكلف بخدمة عامة أثناء قيامه بواجبه او لسببه”.
وأضاف: “أنها أيضا تعد من الجرائم التي يترتب عليها الحكم بالتعويض من قبل محكمة البداءة عندما تطال الأضرار الشخص المستهدف منها”.
وعن الحالات التي ترد الى المحكمة يذكر شنته أن “المحكمة تنظر جريمتي القذف والسب وحسب التعريف الوارد لهما في قانون العقوبات، حيث وردت بصور عدة، ومنها إسناد واقعة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت أن توجب عقابه او احتقاره عند اهل موطنه، او رميه بما يخدش شخصه واعتباره، ومن ابرز تلك الأمثلة الإساءة للغير من خلال التعرض للحياة الخاصة لهم، وتوجيه الاتهامات بارتكاب أفعال توجب عقاباً أو احتقاراً دون أدلة”.
ويرى القاضي أن “انتشار الوسائل التقنية الحديثة وأجواء الحرية النسبية في العراق أدت إلى ازدياد معدلات ارتكاب جرائم القذف والسب عبر مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، ولعل ذلك يرجع إلى عدم ترسيخ ثقافة إبداء الرأي وحرية التعبير عنه لدى الكثيرين”.
ويؤكد أن “الحرية مقترنة على الدوام بالمسؤولية، وينبغي أن يتم التعبير عن الرأي وممارسة النقد في ضوء الحدود والضوابط المنصوص عليها في الدستور العراقي في المادة (۳۸) منه، وفي ضوء الاتفاقات الدولية مثل المادة (۱۹) و (۲۰) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي أكدت على حرية التعبير عن الرأي والمشاركة في تقويم الأداء والنقد، شريطة عدم المساس بحقوق الآخرين وسمعتهم، وعدم المساس بالنظام العام والآداب العامة”.
وعن المتضررين من التصريحات الإعلامية أو المنشورات وكيفية إقامة شكوى، يشير إلى أن “الدعاوى المتعقلة بالتصريحات الإعلامية والمنشورات تقام في محاكم التحقيق وحسب الاختصاص المكاني لمحل وقوع الجريمة، وكذا الحال بالنسبة لمحاكم البداءة في ما يتعلق بالتعويض”.
ويلفت القاضي المتخصص بنظر دعاوى النشر، الى أن “المشتكي او المشكو منه إذا كان صحافياً فأن المحكمة المختصة بنظر الدعوى هي محاكم النشر والإعلام وهي محاكم تحقيق تم تشكيلها في المناطق الاستئنافية كافة بموجب بيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى وتختص بالتحقيق في الدعاوى الخاصة بالصحفيين سواء كانوا مشتكين أم مشكوا منهم وفي ما يتعلق بعملهم الصحفي، وتخضع تلك الدعاوى للمدة المنصوص عليها في المادة (٦) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، والتي لا تقبل فيها الشكوى بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة أو زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى”.
وينتخب القاضي للفصل في النزاع وتقييم الإساءة، في بعض الأحيان، خبيرا، يتم انتدابه استنادا إلى أحكام المادة (٦٩) الأصولية، ووفقا للقاضي شنتة فأن “التقرير الذي يقدمه الخبير يعد سبباً من الأسباب الذي يؤدي إلى اقتناع المحكمة وإصدار الحكم وذلك استناداً للمادة (۲۱۳) الأصولية”.
وعن ذلك يبين أن “انتداب الخبير هو من ضمن آفاق التعاون بين مجلس القضاء الأعلى ونقابة الصحفيين العراقيين فقد تم اعتماد خبراء نقابة الصحفيين في الدعاوى التي تقام أمام محاكم النشر والإعلام لتقديم خبرتهم في تلك الدعاوى، وفي حال اعتراض أطراف الدعوى على انتداب خبراء من النقابة لأسباب تقتنع بها المحكمة، بالإمكان انتداب خبراء من كليات الإعلام في الجامعات العراقية كافة أو من الخبراء المسجلين في جدول الخبراء من المختصين في مجال النشر والإعلام”.
ويؤكد أن “الاستعانة بالخبراء تتم في الدعاوى التي تحتاج إلى تقديم خبرة وهي تلك الحالات غير الواضحة في ما يتعلق بوجود الإساءة أو التشهير، لذلك يتطلب الأمر في كثير من الأحيان الاستعانة بالخبراء لبيان في ما إذا كان موضوع الدعوى يشكل إساءة أم انه يدخل ضمن نطاق النقد المباح وحرية التعبير عن الرأي”.
ويخلص القاضي شنته إلى أن “المادة (٤٣٤) من قانون العقوبات نصت على أن السب هو رمي الغير فيما يخدش شرفه او اعتباره او يجرح شعوره وان لم يتضمن ذلك إسناد واقعة معينه، وفي حال وقع السب بطريقة النشر في الصحف أو المطبوعات أو إحدى طرق الإعلان الأخرى عد ذلك ظرفاً مشدداً”