ينطلق اليوم العدّ العكسي للخامس من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، إذ تفصلنا 100 يوم فقط على اليوم الذي سيتوجّه فيه ملايين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس المقبل للبلاد، وأعضاء الهيئة التشريعية للحكومة، حيث يتنافس المرشّحون على جميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعدا، و33 مقعدا فقط من مجلس الشيوخ.
وتجري منافسة حادّة وشرسة بين الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، والمرشّحة الأوفر حظا للفوز رسميا ببطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي كامالا هاريس. فمنذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي، تشير استطلاعات الرأي إلى تقارب كبير بين المرشّحين، حيث تفوّقت هاريس بفارق ضئيل على ترامب في أول استطلاع رأي -بعد انسحاب بايدن- لـ"رويترز/إبسوس" وحصلت على نسبة 44% مقابل 42% لمنافسها.
وتحظى هذه الانتخابات باهتمام خاص، حيث شهدت المرة الأولى منذ عقود التي ينسحب فيها رئيس من السباق الانتخابي بعد حصوله على بطاقة ترشيح حزبه لولاية ثانية، و أيضا فيها تترشح لأول مرة سيدة من أصل أفريقي للرئاسة على الإطلاق، كما أن دونالد ترامب هو أوّل رئيس يخرج من البيت الأبيض ويترشح مجددا بعد 4 سنوات، منذ إقرار التعديل الـ22 للدستور الأميركي، و محاولة اغتيال مرشح للرئاسة برصاصة أفلت منها بأعجوبة، ليست مشهدا معتادا في الحملات الانتخابية.
من أصل أفريقي
تقترب المرشّحة الديمقراطية المحتملة كامالا هاريس أكثر من الفوز رسميا ببطاقة الترشيح، حيث استطاعت الحصول على دعم أغلب المانحين والمشرّعين من حزبها، ويتوقّع مراقبون أن يستبق الحزب المؤتمر الوطني المقرّر عقده يوم 19 أغسطس/آب المقبل، ويعلن استقراره على تسميتها خلال اجتماع اللجنة الوطنية الديمقراطية الذي ينطلق الخميس القادم.
وتدخل هاريس التاريخ مرة ثانية، باعتبارها أول امرأة من أصل أفريقي تصل لهذه المرحلة من الانتخابات، بعدما حصلت من قبل على ألقاب غير مسبوقة، عندما أدّت اليمين الدستورية لمنصب نائب الرئيس يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، لتكون بذلك أول امرأة، وأول أميركية ذات بشرة سوداء، وأول أميركية من جنوب آسيا يتم انتخابها لهذا المنصب.
ووصفت الأستاذة المتخصّصة في الانتخابات الأميركية، بجامعة هوفسترا بنيويورك سوزانا بيروتي، ترشّح هاريس بأنّه "أهم ما يمّيز الانتخابات هذه السنة"، كما أشارت إلى أن خلفية المرشّحة "من شأنها أن تعزّز حظوظ الديمقراطيين في الفوز، كما ترى أنها "قادرة على جذب أصوات فئة مهمّة من الناخبين، يركّز عليها الحزبان في حملتيهما، وهي فئة الشباب والنساء خاصة من الأميركيين ذوي البشرة السوداء"، وتؤكّد بيروتي أن "انتماء هاريس العرقي هو بطاقة فوزها بالرئاسة".
ومن اللحظات الفارقة التي ميّزت هذا السباق، المشاهد التي ارتبطت بمحاولة اغتيال دونالد ترامب، و نجاته من الموت بعدما أصيب في إطلاق نار خلال حضوره فعالية انتخابية في ولاية بنسلفانيا.
ويرى محلّلون أن المرشّح الجمهوري استغلّ الحادث بطريقة تخدم شعبيته بشكل ممتاز، خاصة بعد انتشار الصور التي التقطت له وهو يرفع قبضة يده في إشارة لمؤيّديه بالتحدي والنّصر، متجاهلا تلطّخ وجهه بالدماء ونزيفه من جهة أذنه اليمنى.
ويدخل ترامب بهذه الصور الاستثنائية التاريخ، بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المشاهد في تغيير مسار الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، والتي تؤثر نتائجها على سياسة أميركا والعالم.
ومنذ التصديق على التعديل الـ22 للدستور الأميركي عام 1951، الذي يحدّد الفرص التي يُسمح فيها بانتخاب الرئيس في مرّتين فقط، يعتبر دونالد ترامب أول رئيس يغادر البيت الأبيض غداة خسارته الانتخابات ثمّ يعود للترشح مرة ثانية بعد 4 سنوات.
وينضمّ ترامب إلى لائحة قصيرة من الرؤساء الذين سعوا إلى منصب الرئاسة مجدّدا بعد خسارتهم الانتخابات. وإذا فاز، فسيدخل التاريخ كثاني رئيس يحظى بمنصب الرئاسة لولايتين غير متتاليتين، إذ سبقه لذلك رئيس واحد فقط هو الديمقراطي غروفر كليفلاند، الذي خسر بعد ولايته الأولى عام 1888 أمام بنيامين هاريسون رغم فوزه بالتصويت الشعبي، ثمّ عاد وتغلّب عليه بعد 4 سنوات خلال انتخابات 1892.
ساهمت هفوات بايدن وأخطاؤه المتكرّرة، فضلا عن الشكوك حول صحّته الذهنية وكفاءته لإدارة البلاد في قرار انسحابه قبل نحو أسبوع من السباق الانتخابي، وإعلان دعمه لترشّح نائبته كامالا هاريس، مستجيبا بذلك لدعوات رفاقه من الحزب الديمقراطي الذين عبّروا -في مناسبات مختلفة- عن مخاوفهم من "خسارة حتمية" إذا ظلّ بايدن متمسّكا بترشحه.
وبعد محاولاته لمدة 24 يوما لتشتيت التركيز في "أدائه الكارثي" خلال المناظرة التي جمعته الشهر الماضي بخصمه دونالد ترامب، اجتمع -حسب صحيفة "نيويورك تايمز"- في بيته بريهوبوث في ولاية ديلاوير، بمستشاره ستيف ريكيتي، ومايك دونيلون، كبير الإستراتيجيين وكاتب الخطابات، ليقوم الثلاثة بكتابة رسالة تاريخية للرئاسة الأميركية: إعلان قرار بايدن الانسحاب من حملة إعادة انتخابه.
وبذلك يكون بايدن هو الرئيس الـ13، من أصل 46 رئيسا، الذي خدم أقل من فترتين رئاسيتين، ويدخل التاريخ لكونه من الرؤساء القلائل جدّا الذين تخلّوا اختياريا عن السعي لانتخابهم لـ4 سنوات أخرى وهم:
جيمس بوك: رغم أن أميركا تمكّنت في عهده من ضم كاليفورنيا ونيو مكسيكو إلى الاتحاد، اعتقد بولك أنه حقّق ما يكفي من الإنجازات، ووفى بوعده لناخبيه خلال حملته بأن يبقى لفترة رئاسية واحدة فقط فغادر البيت الأبيض عام 1849.
جيمس بيوكانان: عرفت فترة رئاسته اضطرابات داخلية عديدة أهمها اندلاع الحرب الأهلية وانفصال 7 ولايات جنوبية عن الاتحاد، فترك منصبه عام 1861 تاركا وراءه غضبا شعبيا من مواقفه وانقساما في الحزب الديمقراطي.
رذرفورد هايز: تعهّد خلال حملته الرئاسية عام 1876 بعدم الترشح لولاية ثانية حتّى لا تتأثر مواقفه وقراراته السياسية، ووفى بوعده وغادر البيت الأبيض بعد انتهاء ولايته عام 1881.
كالفين كوليدج: تولّى الرئاسة عام 1923 بعد وفاة الرئيس الجمهوري وارن هاردينغ بشكل مفاجئ، وأعيد انتخابه للرئاسة في العام الموالي، لكنه -ورغم تمتّعه بشعبية كبيرة- اختار عدم الترشّح مجددا وترك منصبه كرئيس عام 1929.