لا تمر ذكرى أو مناسبة في العراق إلا ويختلف وينقسم حولها المواطنون ، ومنها ذكرى 14 يوليو/تموز 1958، حينما قاد الضابط عبد الكريم قاسم حركة ضد الحكم الملكي وأنهت عهد الملكية وبداية الجمهورية، ويتبلور الانقسام بين قسم يعتبر المناسبة جريمة ارتكبها العسكر ضد الحكم الملكي ولا تستحق أن تكون مناسبة وطنية ، يحتفل بها العراقيون، وآخر يقول إنها مناسبة وطنية أنهت حكم العائلة التي جاء بها المحتل الإنكليزي.
يستذكر العراقيون، اليوم الأحد ، الإطاحة بالعهد الملكي في بلادهم على يد مجموعة من ضباط الجيش في 14 يوليو/تموز عام 1958، وهي واحدة من أكثر الأحداث المثيرة للجدل في تاريخ العراق.
ففي صبيحة ذلك اليوم ، استيقظ الملك فيصل الثاني والعائلة المالكة على أصوات إطلاقات نارية قبل أن يدخل مجموعة من تنظيم الضباط الأحرار بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى قصر الرحاب في بغداد ، ويطلبوا منهم الاستسلام ، فاستجابوا للطلب، وتم تجميعهم وإطلاق النار عليهم جميعا وأردوهم قتلى.
وقد أعدِم فيصل الثاني إلى جانب عبد الإله وأفراد آخرين من العائلة الملكية، بمن فيهم الأميرة عبدية بنت الشريف علي بن الحسين (شقيقة بديعة)، والأميرة هيام، رميا بالرصاص، أما رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد فحين حوصر في بيته، وأدرك أنها النهاية المحتومة، أخرج مسدّسه وانتحر، ولم تمر فترة وجيزة على هذه المجزرة حتى أخذ الانقلابيون جثث الجميع وطافوا بها في شوارع العاصمة العراقية بغداد حتى تبدّلت ملامحها.
ولم ينجُ من هذه المجزرة إلا القليل من المقربين من الأسرة الحاكمة على رأسهم الأميرة بديعة بنت الشريف علي بن الحسين خالة الملك فيصل الثاني وأخت الوصي الأمير عبد الإله بن علي، إذ استطاعت الفرار مع أبنائها وزوجها مُتخفين.
وأذاع عارف بنفسه البيان الأول من مقر الإذاعة صبيحة 14 يوليو/ تموز 1958، لينهي بذلك الانقلاب العهد الملكي في العراق التي كان ينظر إليها بأنها موالية للغرب في سياق تتقدم فيه القوميات العربية مثل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر.
يشار إلى أن الحكومة العراقية ألغت عطلة ذكرى إعلان الجمهورية التي تصادف الأحد 14 يوليو/ تموز لعدم وجودها ضمن قانون العطلات الرسمية الذي أقره البرلمان مؤخرا، بعد أن كانت طوال السنوات الماضية تعلنها عطلة رسمية.
واثر "الثورة" او "الانقلاب ، سميها ما شئت ، تولى رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع والقيادة العامة للقوات المسلحة، العقيد عبد الكريم قاسم، في الوقت الذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك، عبد السلام محمد عارف، وكان سقوط العهد الملكي لكثيرين من العراقيين نهاية حلم الدولة المدنية الحديثة في العراق، ذلك أن الدولة توجهت في جميع مفاصلها إلى الحكم العسكري لا سيما بعد عام 1968 ليكون حكماً شمولياً، وقد تعرض رئيس الوزراء قاسم لمحاولة اغتيال في "شارع الرشيد" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 1959.
وينظر كثيرون من العراقيين إلى أن قاسم كان مخلصاً ومتفانياً في أهدافه الوطنية، بيد أنه تعرض للخذلان من قبل رفاقه من الضباط الأحرار ممن أظهر بعضهم الرغبة المحمومة للاستيلاء على السلطة تجاوباً مع تدخلات خارجية، كما في مصر جمال عبد الناصر، والتي ساندت معنوياً ومادياً بعض الضباط الطامحين باسم الدعوة لتحقيق الوحدة العربية. الحقيقة أن مصر كانت تروم معالجة مشكلاتها الاقتصادية من خلال الوحدة مع العراق كما تبين في ما بعد.
وعانى نظام قاسم من هذه التدخلات ما شجع قوى داخلية على المزيد من التلاعب بالنظام العام من خلال تنفيذ الاغتيالات وإرباك الوضع الأمني مما مهد لانقلاب الثامن من فبراير/شباط 1963 ، حيث نفذت ما عرف بالقوى القومية بقيادة عبد السلام عارف والبعثيين، انقلاباً، نفذ فيه حكم الإعدام بعبد الكريم قاسم، في محاكمة صورية سريعة ، تسلم بعدها عبد السلام عارف السلطة حتى وفاته في 1966 بحادث طائرة غامض ، تولى على إثرها شقيقه عبد الرحمن عارف الحكم، وفي 17 يوليو/تموز 1968 أطاح حزب البعث بحكم عارف، كما تخلص من بعض قياداته بعد ما يقرب من أسبوعين من ذلك التاريخ.
تولى السلطة حينها الرئيس أحمد حسن البكر واستمر حتى 16 يوليو/تموز 1979 حين عزله نائبه صدام حسين، وتولى السلطة بدلاً عنه.
ومع الاحداث التي مرت بها البلاد ومعظمها ، إن لم نقل كلها دموية ، صار الرأي العام العراقي يعتقد أن الفترة الملكية العراقية 1921-1958 كانت الأفضل في تاريخ العراق، لأنها قدمت نموذجاً يجمع الحرية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
فالمرحلة الملكية لم تشهد أي مشاهد وأحداث دموية ، وأن العنف والبطش والشمولية اجتاحت العراق منذ يوم إطاحة الملكية على يد الجيش وإعلان الجمهورية، والذي مر عبر من يصفها بـ "جريمة دموية وحشية" طاولت جميع أبناء العائلة المالكة في قصر الرحاب وسط العاصمة بغداد ، اذ يجزم الكثيرون بأنه لم يكن هناك أي سبب واضح وراء هذه الجريمة البشعة بحق العائلة الملكية ، وان مقتلهم أصبح فعلاً بمثابة لعنة تطارد العراق الى يومنا هذا.
إذ يشعر العراقيون بضغوط في كل تفاصيل حياتهم ، الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية ، ثمة ضيق شديد في سُبل العيش، حتى أبسطها وأكثرها عادية ، مثل إمكان الحصول على الكهرباء والماء الصالح للشرب والتعليم بمراحله الأولى. ومن دون أن يكون ثمة إمكان لتغيير هذه الوقائع في الأفق المنظور. لذلك يميلون الى زمن كان ذا قطيعة تامة مع الحاضر، زمن كانت الحياة فيه مختلفة تماماً، أكثر بساطة واندماجية بين مُختلف المواطنين العراقيين.
في المقابل، فإن قسماً من العراقيين يشيرون إلى التفاوت الكبير في المُلكية والثروة التي كان يشهدها العراق أثناء سنوات الحُكم الملكي، حيث كانت نسبة قليلة من نُخب الحُكم السياسية والاقتصادية تملك مساحات واسعة من الأراضي والمؤسسات ، عبر ما كانت تملكه من سطوة في سُدة الحُكم، فيما كانت الأغلبية العظمى من المواطنين العراقيين تعاني من الفقر والأمية والتهميش الثقافي والرمزي والاقتصادي.
وهناك جدال حول هذا الموضوع، إذ يعتقد في المقابل قسم من العراقيين بأن تلك المعطيات ربما كانت صحيحة، إلا أن الحريات السياسية والنقابية والمهنية التي كانت في العراق وقتئذ، كانت تسمح للقوى الاجتماعية والسياسية بأن تتكتل بالتقادم، وأن تدافع عن حقوقها المغبونة ، إذ كان هناك الإضرابات والتظاهرات ويؤثر والانتخابات.
لكن أهم ما يلاحظه العراقيون هو غياب خيار المواجهة في العراق أثناء سنوات الملكية، فالعراق لم يكن جزءاً من أي محاور وأشكال للحروب الإقليمية والدولية وكان يسعى دوماً الى أن يكون صلة وصل وتعاون بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، ومن دون أن يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه الداخلية، أو العكس.