أكد رئيس المحكمة الاتحادية العليا جاسم محمد عبود العميري، اليوم الخميس، أن الدستور وضع أسس النظام الديمقراطي في العراق القائم على مبدأ الفصل بين السلطات والحريات العامة التي منحت المواطنين الحق في تقرير حاضرهم ومستقبلهم عبر صناديق الاقتراع وممارسة حرية الرأي، وفيما أشاد بنجاح الحكومة في إقامة انتخابات مجالس المحافظات وبأجواء آمنة مستقرة، أثنى على تضحيات العراقيين التي كتبت مسيرة الديمقراطية، معتبراً كذلك استشهاد قادة النصر أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني من أعلى درجات العطاء والبذل الإنساني.
وقال العميري في حديث للوكالة الرسمية وتابعته الرشيد: إن “وثائق دساتير الشعوب حول العالم تمثل انعكاساً للقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية والثقافية والتربوية وترجمة حقيقية لكافة المراحل التاريخية التي مرت بها تلك الشعوب بجوانبها الإيجابية والسلبية وما عانته الشعوب من تسلط الحكام المستبدين الذين استضعفوها ونهبوا ثرواتها وأهانوا قيمها ومبادئها وكذلك ما عانته بفترة الاحتلال الأجنبي فيما لو تعرضت له، إذ أن غاية المحتل هي السيطرة وخلق الفتن والانشقاقات الداخلية بين أبناء الوطن الواحد لأسباب قومية أو طائفية أو مذهبية والاستيلاء على ثرواتها”.
وأضاف أن “تلك الدساتير تمثل كذلك انعكاساً لما قامت به تلك الشعوب والأمم الحية من جهاد سواء كان ضد الحاكم المستبد أو ضد المحتل المستهين بالقيم والمبادئ وكذلك تقف هذه الوثائق على الجوانب المشرقة لدى هذه الأمم وما قدمه أبناؤها من تضحيات كبيرة روت أوطانهم بدماء الشهادة والفداء والتضحية وأصبحت تلك الدماء تمثل القيم الأساسية التي يبنى عليها حاضر الشعوب ومستقبلها”.
وتابع أن “دستور العراق النافذ عام 2005 مثل ولادة تتجسد فيها معاناة الشعب العراقي في ماضٍ سيطر فيه نظام دكتاتوري فردي على مقاليد الأمور واستباح قيم ومبادئ ودماء الشعب العراقي، بينما يمثل في حاضره التضحية التي قدمها الشعب في محاربته للعصابات الإرهابية متمثلةً يالقاعدة وداعش”.
وأكد أن “الدستور العراقي وثيقة مهمة جداً تحتوي على معانٍ تتفق مع ماضي هذا البلد وحاضره ومستقبله وهي تمثل نموذجاً أمثل لكافة الوثائق الدستورية الموجودة بدول المنطقة، وتضمن مبادئ مهمة، ففي مادته الأولى نص على أن جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي والدستور ضامن لوحدة العراق”، مبيناً أن “نظام الحكم هذا حدد السلطات الاتحادية واختصاصاتها التي تمارس على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، وأن يكون هذا الفصل على أساس التكامل والتعاون بما يخدم بناء الدولة”.
وعن الانتخابات المحلية الأخيرة قال العميري أن “الدستور تطرق لما يخص مجالس المحافظات في مادته 122 والتي نصت على أن تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وينظم ذلك بقانون، ويمثل إنجاز انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة رسالة الى كل دول العالم بأن العراق يتجه قُدماً وفق أسس صحيحة وثابتة نحو بناء مؤسسات دستورية كفيلة ببناء النظام الديمقراطي الصحيح وتمارس هذه المؤسسات الديمقراطية صلاحياتها الدستورية”.
وأضاف أن “إجراء انتخابات ناجحة لمجالس المحافظات والاستحقاقات الانتخابية المتتابعة بشكل دوري يطرح ثلاثة دلائل صريحة وأكيدة أولها أن الديمقراطية في العراق حقيقية وليست شكلية وثانيها أن العراق حكومة وشعباً واتجاهات سياسية متجه نحو البناء الحقيقي للديمقراطية على أساس اختيار ممثلي الشعب بحرية وثالثاً أن هذه الديمقراطية كفلت تمتُع جميع أفراد الشعب العراقي بدون استثناء بالحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور”.
وأشار إلى أن “الانطباع الأهم من هذه الانتخابات لدى الشعب العراقي هو أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قد أجرتها بصورة صحيحة وهنالك ثناء من الجميع على النجاح الكبير للحكومة بإنجاز العملية الانتخابية وبأجواء آمنة ومستقرة وإيجابية”.
وعن نتائج الانتخابات والمصادقة عليها، أوضح العميري أن “المحكمة الاتحادية العليا غير مختصة بالمصادقة على النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات وهي معنية فقط بالمصادقة على النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب العراقي فقط”.
وأكد أن “الحكومة العراقية الحالية تتجه في مسارها باتجاهين لمسهما الشعب العراقي، الأول هو تقديم الخدمات وإنجاز المشاريع الكبرى والمتوسطة والصغيرة التي يحتاجها الشعب وينتظرها منذ زمن طويل وهذا يؤكد جدية وتصميم الحكومة على المضي باتجاه تقديم الخدمات، فيما تحرص الحكومة في الاتجاه الآخر على ضرورة التكامل في البناء الديمقراطي للعراق”.
وأكمل العميري أن “العملية الديمقراطية في العراق تتجدد على أساس مبدأ دورية الانتخابات والتي تتجسد بانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات وتعتمد على أن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب الحق في اختيار ممثليه عبر الاقتراع السري وهو ما يحدث تغييرات متعاقبة للحكومات بعد كل انتخابات نيابية تؤكد دورية الانتخابات بالعملية الانتخابية، وإنجاز الحكومة للانتخابات المحلية يؤكد حرصها على إكمال البناء الديمقراطي”.
ولفت رئيس المحكمة الاتحادية العليا إلى أن “التجربة الديمقراطية في العراق على أساس الانتخابات الدورية التي تضمن مشاركة الشعب في تقرير مصيره ومستقبله يمكن اعتبارها نموذجاً مثالياً في المنطقة، ونعتقد بأنه لا يوجد نظام ديمقراطي كالموجود في العراق في منطقة الشرق الأوسط وهذا إنجاز كبير ما كان ليتحقق لولا دماء شهداء العراق والتضحيات التي قدمت قبل وبعد 2003 ويجب أن توظف دماء الشهداء لتعزيز النظام الديمقراطي على أساس المساواة وتكافؤ الفرص وتوزيع الثروة بشكل عادل بين العراقيين بدون استثناء بغض النظر عن القومية والطائفة أو أي سبب آخر”.
وعن الشهداء قادة النصر وشهداء العراق قال العميري: إن “الشعب العراقي قدم تضحيات كبيرة جداً في نضاله ضد النظام الاستبدادي السابق ساهمت بإزاحة النظام وكذلك في حربه على العصابات الإرهابية ولولا هذه الدماء لما استطاع العراق أن يصل الى مرحلة الاستقرار التي يعيشها حالياً وأن يكتب للمسيرة الديمقراطية النجاح”، معتبراً كذلك “استشهاد القائدين الكبيرين أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني بأنه يمثل أعلى درجات العطاء والبذل الإنساني والتضحية والفداء والنضال ضد الظلم والإرهاب والاستبداد ومن لا ينسجم مع القيم الإنسانية النبيلة، وهذه الدماء بعطائها هي من حررت أراضي العراق من الإرهاب”.
وأكد العميري أن “الأحداث التي شهدها العراق سابقا أثرت بشكل كبير في مسيرة بناء الدولة وانعكست بشكل سيئ على النظام الإداري وسمح بظهور الفساد بصنفيه المالي والإداري”.
وتابع أن “هناك الكثير من الدول تحاول التقليل من شأن التجربة الديمقراطية في العراق لسبب أو لآخر، وهنالك دول كبرى لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية تساند دولاً نظامها فردي وغير ديمقراطي ولا تساند العراق وتجربته الديمقراطية”.
وشدد على أن “الديمقراطية العراقية تقاس على أساس الانتخابات الحرة والنزيهة وضمان الحقوق والحريات التي يتمتع بها الشعب العراقي الذي يتمتع بحرية التفكير والانتماء ومن بينها السياسة وحرية الصحافة وحرية التظاهر والتجمع والتعبير عن الرأي وانتقاد الحكومة والبرلمان شريطة عدم الإخلال بالنظام والأمن والآداب العامة وطبيعة النظام الديمقراطي وهذه المنجزات تحققت بفضل تضحيات العراقيين الذين حرموا منها ابان النظام الديكتاتوري”.
وعن السلطات في العراق ومبدأ الفصل فيما بينها أوضح العميري أن “هنالك 3 سلطات في العراق، التشريعية والتنفيذية والقضائية، تؤدي مهامها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات وهذا الفصل يمثل جوهر العملية الديمقراطية كما أن استقلال القضاء في العراق حقيقي وهو لا يرتبط بالسلطتين التنفيذية والتشريعية في العراق، كما أن المحكمة الاتحادية العليا تؤدي اختصاصاتها الدستورية وفق ما حددته المادة 93 من الدستور باستقلالية تامة وبمحض إرادتها من دون أن تخضع لأي من السلطات وهي تستطيع أن تعيد السلطتين التشريعية والتنفيذية الى حدود اختصاصاتهما الدستورية إن حصل تجاوز لهذه الاختصاصات كما أن للمحكمة الاتحادية الصلاحية الدستورية في النظر بالقضايا الناشئة عن تطبيق القوانين الاتحادية والإجراءات والأنظمة والتعليمات الصادرة من السلطة الاتحادية، وعملها وفق ما يخدم المصلحة العليا للشعب والوطن”.
وأكد أن “العراق استطاع واستناداً لما جاء في الدستور أن يبني المؤسسات الدستورية بناءً صحيحاً، متمثلة بالحكومة والبرلمان والقضاء والمحكمة الاتحادية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة والبنك المركزي وهيئة الإعلام والاتصالات إضافة الى باقي المؤسسات الدستورية وهذه المؤسسات هي دستورية اتحادية مستقلة وليس سلطات لأن السلطات الاتحادية محددة بموجب المادة 47 من الدستورية بالتشريعية والتنفيذية والقضائية”