تخيَّل أنك بينما تتحدث إلى شخص يستمع إليك باهتمام، يبدأ وجهه في الشحوب قليلاً، ثم يشعر بالدوار ويغط في نوم عميق وبدون سبب واضح! هذا الأمر الغريب حدث مع سكان قرية كالاتشي الكازاخستانية، إلى حدّ أن أطلق عليها تسمية “قرية النوم العميق”، وتم إخلاؤها من ساكنيها بعد أن استعصى وجود حلٍّ لمئات حالات النوم العميق التي أصيب بها سكانها.
تقع قرية كالاتشي (Kalachi) شمال كازاخستان، وتبعد 400 كيلومتر شمال غربي العاصمة أستانة، وبينها وبين الحدود الروسية، نحو 230 كيلومتراً، وأثرت نوبات النوم هذه على 10٪ من سكان القرية، بما في ذلك مجموعة من الطلاب الذين ناموا نوماً عميقاً ليومٍ كامل داخل الفصل وخلال ساعات الدراسة، وعندما استيقظوا ذكروا مجموعة من الهلوسة التي رأوها أثناء نومهم.
ويرافق مرض النوم الذي أصاب سكان القرية عددٌ من الأعراض مثل الهلوسة، وفقدان الذاكرة، والغثيان، واستمرار النوبة لأسابيع متتالية.
بداية إصابة كالاتشي بمرض النوم
على الرغم من أنّ الوثائق الرسمية في كازاخستان تشير إلى تسجيل أولى الإصابات بالنوم العميق حدثت عام 2010، وكانت أول الضحايا، وفقاً لرواية سكان القرية، من نصيب ليبوف لايبوكا التي كانت تتحدث مع أصدقائها ذات صباح، كما العادة، لتسقط فجأة من على كرسيها دون حراك، وتبقى نائمة لـ4 أيام كاملة.
إلّا أنّ اكتشاف المرض في كالاتشي بصفة رسمية كان في ربيع عام 2013، وذلك عندما أصاب مرض النوم 8 أشخاص مختلفين من القرية التي يبلغ عدد سكانها 640 شخصاً خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، وعندما استيقظوا بعد أيام لم يتذكروا شيئاً بالمرة، وذلك وفقاً لموقع Mentalfloss.
بعدها بدأ سكان القرية في النوم العميق واحداً تلو الآخر، بغض النظر عن موقعهم أو ما يفعلون.
مرض قرية كالاتشي لم يستثنِ حتى الحيوانات!
ومن بين المصابين بمرض النوم العميق، “فيكتور كازاتشينكو”، الذي كان يقود سيارته للخروج من القرية متجهاً إلى أقرب بلدة في بعض المهمات، لكنه لم يصل إليها أبداً.
بعد 4 أيام استيقظ، ليجد نفسه في المستشفى، بعد أن كان قد سقط في نوبة من النوم المفاجئ أثناء قيادته السيارة، ومع ذلك لم يتفاجأ، فلم تكن المرة الأولى بالنسبة له.
ومع بداية عام 2014، نام مجموعة من الطلاب بشكل مفاجئ في فصول الدراسة، على أثر ذلك بدأت الحصص الدراسية تتوقف بعد أن بدأ الأطفال يرون الهلاوس، مثل رُؤية ثلاجات تتدلى من أسقف الفصول الدراسية، وأقزام، وأفيال عملاقة، وأحصنة مُجنّحة!
ولم يكن سكان القرية الوحيدين الذي يعانون من الإصابة بهذا المرض، فقد سجّلت حالات الإصابة بالنوم العميق لزوّار من خارج القرية، وتعافوا منها بمجرد خروجهم منها؛ بل إن قططاً أُصيبت هي أيضاً بالظاهرة الغريبة، فكانت تغطّ في النوم العميق لأيّام، وتستيقظ فجأة لتموء بوحشية دون أسباب واضحة.
تفسيرات العلماء الأولية لمرض قرية كالاتشي
مع انتشار خبر وباء النوم العميق (Sleepy hollow) الذي أصاب قرية كالاتشي، بدأ العلماء في تعديد نظريات مختلفة لشرح هذا المرض الغامض، كان من أبرزها التراكم المفرط للسوائل في أدمغة سكان القرية، أو إصابتهم بالفيروسات والالتهابات البكتيرية مثل التهاب السحايا، أو احتمالية التسمم الكيميائي من المياه الرئيسية.
حيث اعتقد العلماء أن المواد المتسربة من منجم اليورانيوم الذي كان موجوداً منذ أيام الاتحاد السوفييتي (منجم لم يستخدم منذ ما يقرب من أربعين عاماً)، أو من خلال المواد الخام للأسلحة الكيماوية التي حفرها الجيش في الأرض.
للتحقق من هذه النظرية، قرر العلماء تصميم طائرة “بدون طيار” خاصة وخفضها إلى المنجم لأخذ عينات من التربة والمياه بسبب خطر نزول شخص إلى المنجم، كما اعتقدت السلطات المحلية، أن النفايات السامة من المنجم دفنت في التربة المحيطة، الأمر الذي دفع وزارة الصحة الكازاخية إلى فحص أكثر من 7 آلاف منزل مجاور لهذه المناجم، لكنها لم تعثر على أي آثار تسمم.
الحكومة الكازاخية تخلي قرية كالاتشي بعد عجزها عن معرفة سبب النوم العميق
مع غياب نظرية واضحة تفسّر المرض الغامض، واستمرار حالات النوم بالقرية، لم يجد المسؤولون غير إخلاء قرية كالاتشي وإعادة توطين ساكنتها في القرى المجاورة خوفاً من تطوّر الظاهرة الغريبة، وذلك بدءاً من سنة 2015.
وبالفعل تم إخلاء 68 عائلة من أصل 223، وسط مقاومة آخرين ورفضهم الخروج من بيوتهم وقريتهم، بحسب ما نقلته BBC.
أخيراً وجد العلماء تفسيراً لهذه الظاهرة
بعد أزيد من 700 يوم، تمّ حل اللغز أخيراً، فوفقاً لصحيفة the guardian البريطانية، وجد السبب يكمن بالفعل في مناجم اليورانيوم، حسب نائب رئيس الوزراء الكازاخستاني، بيرديبيك سابارباييف.
فبعد تحليل نتائج الفحوصات الطبية لجميع السكان في القرية، خلص الباحثون إلى أن سبب ذلك هو ارتفاع مستويات أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات في الهواء.
في هذا الصدد قال سابارباييف: “تم إغلاق مناجم اليورانيوم في وقت ما، وفي بعض الأحيان يحدث تركيز لأول أكسيد الكربون هناك وهو ما يؤدي إلى تقليل الأوكسجين الموجود في الهواء، وهذا هو السبب الحقيقي لمرض النوم في هذه القرية”.
من بين النظريات السابقة التي فسرت الحادث ما قاله سيركي لوكاشينكو، مدير المركز النووي الوطني في معهد السلامة الإشعاعية والبيئة الكازاخية، أن أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات في هواء القرية كانت أعلى بعشر مرات من النسبة المئوية المسموح بوجودها في الهواء، بالإضافة إلى وجود أعلى نسبة في الهواء بقرية كالاتشي.