أكد محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، اليوم السبت، أن البنك المركزي قرر تأجيل استيفاء القروض الممنوحة للمشاريع الصناعية والزراعية إلى نهاية العام 2024.
وقال محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف في كلمة له خلال احتفال تأسيس البنك المركزي العراقي في ذكراه الـ(75) وتابعته الرشيد، إن “البنك المركزي عمل على تأسيس علاقات متوازنة مع المؤسسات المصرفية والمالية الدولية”.
وأضاف أنه “في مثل هذه الأيام قبل سبعة عقود ونصف العقد، تأسست هذه المؤسسة التي تفتخرون اليوم بها، البنك المركزي العراقي، باسم (المصرف الوطني العراقي عام 1947)، ولم تتأسس من دون أرضية، فقد نشأت العام 1931 لجنة شؤون العملة، التي هي نواة السلطة النقدية بجهود الوطنيين الذين ارتأوا أنّ البلد بحاجة إلى كيان نقدي لإكمال متطلبات بناء الدولة”.
وأشار الى أنه “منذ ذلك الحين، بدأت مسيرة طويلة لهذه المؤسسة في تأسيس نظام نقدي رصين في العراق، وأسهمت في تعزيز النظام الاقتصادي وسارت جنباً إلى جنب مع السلطة المالية لإسنادها بصفة مستشار للحكومة، والوقوف خلفها في أوقات المحن”، مبيناً: “لقد تميّز أداء البنك المركزي العراقي منذ أكثر من سبعة عقود، بأنّه دائمًا ما يكون على مسافة كافية من السياسة وتداعياتها وسلطاتها وتقلباتها، فتأسست لدينا تقاليد عمل أصيلةٍ كانت محايدة سياسيًّا بصورة تامة عمّا مرت به بلادنا من تقلبات وظروف معروفة”.
وأوضح مخيف:” لقد كانت الإدارة المالية للدولة، ولا تزال، مؤمنة بأنّ البنك المركزي العراقي هو السند والظهير لها ولمؤسسات الدولة الأخرى”، مشيراً إلى أن “الاستشارات التي قدمها البنك المركزي، والتي كانت في صميم القضايا المعروضة، سواء كانت بمبادرات منه، أم بطلبات من الحكومة أو مؤسساتها، أدت إلى نتائج مهمة، ولاسيّما تلك التي أخذت بها الجهات التي طلبتها”.
ولفت الى أنه “حين مرت دولتنا بظروف معقدة منذ العام 1980 وحتى العام 2003، كان للبنك المركزي دور الريادة فيها عِبرَ الأخذ بالأسباب بما يدعم المالية العامة ومؤسسات الدولة، وكأنّ قدرنا أن نرمّم ما يتصدّع بسبب السياسات والإجراءات غير المنضبطة.
وبين محافظ البنك المركزي “أنه بعد العام 2003 صدر قانون البنك المركزي الجديد، إذ تمّ تكريس استقلاليته بصورة واضحة، وتوطدت صلاحياته ومكانته في هرم النظام الاقتصادي في العراق وتجلّت كذلك سلطاته الرقابية، وأصبحت أدواره ومهامه أكثر وضوحًا، فتمّ بناء احتياطي من النقد الأجنبي لتدعيم عملتنا الوطنية وإسنادها، وتأمين متطلبات التجارة الخارجية، وتم أيضًا تنويع تلك الاحتياطيات من حيث نوعيتها أو مواقع استثمارها أو استيداعها، وتمّ إصدار أوراقنا النقدية بأعلى جودة وأرصن خصائص أمنية متوافرة في تقنيات طبع الأوراق النقدية عالميًّا من خلال التعاقد مع أفضل شركات الطبع العالمية، وأصبح لدينا نظام للرقابة على القطاع المصرفي مستندين إلى النصوص القانونية التي وردت في قانونَي البنك المركزي والمصارف والقوانين ذات الصلة، وكلّها تضمن وجود نظام مصرفي رصين على الرغم من التحديات الفنية والأمنية التي تكتنف هذه البيئة المعقدة”.
وأكد: “بدأنا منذ عام 2004 بالتخطيط لإنشاء أنظمة دفع متقدمة والتحول تدريجيا إلى الرقمنة، وأسسنا قواعد لتحقيق الشمول المالي بوصفه أحد أهدافنا الاستراتيجية، من خلال العمل مع القطاع المصرفي، الذي صار أكثر إيمانًا بأنّ التنمية، والشمول المالي، وأدوات الدفع هي خيارات بديهية لا بُدّ من الخوض فيها، وعملنا على تأسيس علاقات متوازنة مع المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، فصارت للبنك المركزي العراقي مواقعه المحسوبة لدى تلك المؤسسات، وحين حلّت جائحة كورونا بتحدياتها وآثارها على الحياة والنشاط الاقتصادي، كان البنك المركزي على رأس النفيضة، فقد تبرّع، هو والمصارف، بمبالغ مالية لدعم الجهد الصحي لوزارة الصحة، ومبالغ أخرى للعوائل المتضررة، فضلًا عمّا خصصته المالية العامة”.
واضاف: “لدعم المتعاملين مع المصارف في تلك الظروف العصيبة، تم توجيه المصارف الخاصة لإيقاف استيفاء القروض على زبائنها لفترة وفعلت وزارة المالية ذلك مع المصارف الحكومية. وفعلنا ذلك مرة أخرى عام 2022 عندما تقرر تأجيل استيفاء القروض الممنوحة من أموال مبادرتنا على المشاريع الصناعية والزراعية إلى نهاية عام 2024، وقد بادرت المصارف الخاصة، بتشجيع من البنك المركزي، إلى إنشاء صندوق المبادرة المجتمعية (تمكين)، تم فيها حلُّ كثير من المشكلات من خلال تمويل مشاريع لمئات الأرامل والشباب وروّاد الأعمال، وإعمار بعض المرافق التعليمية والثقافية والدينية إذ أصبحت للمصارف صورة جديدة تتمثل بأدوارها الاجتماعية المنشودة”.
وتابع مخيف: “عندما أطلقت وزارة البيئة نداءاتها بشأن مخاطر التغيّر المناخي والبيئي والتحول إلى الطاقة النظيفة، أطلقنا مبادرة كبيرة بمبلغ (1) ترليون دينار لإقراض القطاع العائلي والاقتصادي لاقتناء وسائل توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، آملين أن تسهم هذه المبادرة في تحويل سلوك المجتمع نحو الطاقة النظيفة ومراعاة اقتصاديات استخدامها”، موضحا: “تمثّل البنوك المركزية أكبر مستودعات للخبرة المالية والمصرفية، ومراكزَ استشارات لحكوماتها، وبهذا الصدد نأمل بأن تركّز السلطات المعنية على أمور عدّة، نرى أنّها ذات أولوية في إنفاذ أهدافها التنموية بدلًا من تشتيت الجهود والموارد”.
واستطرد: “حين تسود سلوكيات الفساد في بعض مفاصل الدولة، فإنّ البحث عن الأشخاص النزيهين لإدارتها لا يكفي لحل المشكلة، بل الصحيح أن يتم اعتماد إجراءات وسياسات (عابرة للفساد)، بما يضمن عدم ارتكابه من الأشخاص الفاسدين وهذا يحتاج إلى إرادةٍ وطنية وخبرةٍ في تصميم إجراءات العمل بما يفضي إلى ذلك، ونعتقد أن المشاريع الستراتيجية ذات أولوية مثل، الطرق وسكك الحديد هي مفاتيح نجاح التنمية، وأنّ الركون إلى أجهزة الدولة في إصلاح الطرق الحالية، أو إنشاء طرق جديدة غير واقعي، ونقترح أن يتم اللجوء إلى مستثمرين، مقابل رسوم مرور لا ترهق مستخدميها، وكذا الحال لسكك الحديد، وفي مجال التنمية الوطنية في مناحيها الاقتصادية والبشرية والثقافية، نرى أن تتم التنمية بالتحفيز على استهداف المناطق والفئات الأقل تطورا”.
وبين انه “ولتخفيف الضغط على الوظائف الحكومية، يتطلب الإسراع بإقرار قوانين للضمان الاجتماعي توفّر ضمانات لكل المشتغلين بالأعمال في القطاع الخاص بما يضمن حياة سعيدة وآمنة حين الوصول إلى سن التقاعد”، مشدداً على أنّ “التعافي الاقتصادي في الدولة يبدأ من القطاع الخاص، وإنّ تجريب إحداث التعافي من خلال القطاع العام أثبت عدم فاعليته، وأصبحت بعض مؤسسات القطاع العام عبئًا على الدولة”.
وأكد مخيف على “أهمية تعزيز الموارد غير النفطية من خلال أتمتة قطاع الكمارك والضرائب وتوحيد المنافذ الحدودية والاستعانة بتجارب الدول الأخرى التي أدخلت القطاع الخاص بهذه المجالات”.