بسم الله الرحمن الرحيم
فخامةَ الأخ الرئيس عبد الفتاح السيسي
رئيس جمهورية مصر العربية المحترم.
الأخوة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي الملوك والرؤساء والأمراء ورؤساء الحكومات والوزراء المحترمين.
السادة الحضور الكرام.
اسمحوا لي بالتعبير عن الشكر والامتنان للأخوة في جمهورية مصر العربية لحُسنِ استقبالِهم ولما بذلوه من جهدٍ لنجاح المؤتمر الذي يشكّل علامة مهمة في مساعينا لمواجهةِ تحديات المناخ والحِرص على خلق استجاباتٍ بيئية، فعّالة، تجاه ما يواجه الكوكب من تغييراتٍ في المناخ وما ينتجُ عن ذلك من آثارٍ أخرى على الاقتصاد والصحة.
على هذا الصعيد فإن التحدّي الأبرز الذي نواجهُهُ في العراق هو مشكلة المياه، وهذا ما قد يثيرُ الدهشةَ فعلاً إذا ما فكرنا بأن بلادَ الرافدين تواجه شحّةً في المياه بعد فترات طويلة كانت الفيضاناتُ فيها مشكلة أساسية للسكانِ والزراعةِ والحياة.
لقد دفعت هذه الأزمةُ الجهاتِ الحكوميةَ إلى تقنينِ السياسة الزراعية وتقليصها في المناطقِ التي تعتمد الريَّ في الزراعة. وهذا ما يلقي بظلالِه على حياة وأرزاقِ المجتمعِ الزراعي العراقي وعلى عمومِ السكان. بالإضافة إلى ما ينتج من ارتفاعِ نسبةِ التصحر ومضار بيئية وصحية واقتصادية أخرى.
في هذا الجانب فإن مساحاتٍ شاسعةً من أهوارِ جنوب العراق التي تم تجفيفُها في الفترة الدكتاتورية والتي سعينا ما بعد 2003 إلى إحيائِها عادت مؤخراً لتواجهَ مشكلاتِ الجفاف تحت تأثيرِ انحسار مناسيبِ المياهِ الواردة لتلك المساحات.
تضاعفت الأزمة مع شحةِ الأمطار والجفاف خلال الأعوام الأخيرة، فتضررت الزراعة بسبب ذلك مباشرة، وكان هذا أيضاً ما ضاعف مشكلاتِ التصحر، وفرَضَ تحديات خطيرةً على الثروةِ الزراعية والحيوانية.
وبموجب هذا فقد عملت السلطاتُ المائية في الحكومة العراقية مع الأخوة في الجمهوريةِ التركية والجمهوريةِ الإسلامية الإيرانية من أجل حصة عادلة من المياه لنهري دجلة والفرات والروافد، وبعد ذلك للأهوار التي تشكّل جزءاً حيوياً من تاريخِ الحضاراتِ البشرية، وجانباً أساسياً في تدعيمِ الحياة ببلدِنا، حيث كانت دائماً عاملاً أساسياً في الحفاظِ على التوازن البيئي ليس للعراق فحسب وإنما لعموم المنطقة.
الجفافُ المتزايد في بلدِنا يشكل تحدياً خطيراً لمعيشةِ المواطنين واقتصادِ الدولة، لكنه أيضاً يؤثر على الحياة والبيئة في المنطقة بشكلٍ عام وحتى على تقلّصِ المساحاتِ الخضراءِ من العالم.
وما زلنا نأملُ بتعاونٍ أوسع ننتظره من السلطاتِ المائية والسياسية في البلدين الجارَين، وخصوصاً من الأخوة في تركيا.
لقد كان من المؤسفِ أن الكثيرَ من خططِ التنمية الزراعية وتحسينِ البيئة انتكست بظروفِ العنفِ والإرهاب، وكانت صفحةُ احتلالِ بعضِ المدن والقرى العراقية من قبلِ التنظيمِ الاجرامي (داعش) من أخطرِ التحدياتِ التي تضررت بموجبِها مساحاتٌ كبيرة من الحقولِ والبساتين. أشير هنا إلى أن التصحر بات يهدد ما يقارب الأربعين بالمئة من مساحةِ بلدِنا من بعدما كان واحداً من أكثر مناطق المنطقة خصباً وانتاجاً.
ولذلك، أيها الأخوة أصحابُ الجلالةِ والفخامةِ والسمو والمعالي، ومن أجل تعزيز جهودِ الحدِّ من زيادةِ نسبة التصحر سيكون جانبٌ مهم من سياستنا الزراعية والبيئية للحكومة العراقية يتمثلُ بالعمل على توسعة المساحات الخضراء وإحياءِ المساحاتِ القاحلة وبما يساعد على تحجيم الأضرار البيئية التي من مظاهرِها العواصفُ الترابية المتحركة عبر الحدود، ومن مسؤوليات الحكومة العمل أيضاً على تنظيم السياسات المائية وترشيدها وتقديم وتنفيذ إدارة مائية فنية لتحسين نُظُم الري وتقليل الهدر.
وتتواصل في العراق الجهودُ من أجل تطويرِ الإنتاج في حقل الغاز وبما يساعد على استثمارٍ أمثل للانبعاثات الغازية ، وهو مجال مهم في الحفاظ على البيئة وتنقيتِها. ربما تعثرت هذه الجهود بفعل حربِنا ضدّ الارهاب، لكن من المسؤوليةِ النظرُ إليها وتحريكُها بالجدّيةِ التي تستحق، هذا ما نؤكد على أن تسعى وتعملَ عليه السياساتُ الإنمائية الحكومية المقبلة.
لقد كان العراق من أشدّ الدول تضرراً بالاحتباس الحراري.
العراق أحدَ أطرافِ اتفاقيةِ الأممِ المتحدة لتغيّر المناخ، ويعاني من الآثارِ السلبية الناجمة عن الاحتباس الحراري، فإننا نُعربُ عن مشاركتِنا المجتمعَ الدولي الجهودَ الرامية إلى تخفيف حدّة الظاهرة برغم ما واجهناه جرّاءَ الإرهابِ والعنف.
ما نعمل عليه حالياً في العراق هو تنويعُ مصادرِ الاقتصاد وتوطينُ سبلِ الاستثمار المناخي في مختلفِ القِطاعاتِ الحيوية والعملُ على خلقِ بيئةٍ ملائمة ومعزّزة لمفاهيمِ النموِّ الأخضر.
وفي هذا السياق قدّم العراقُ وثائقَ رصينة تؤكد مواصلةَ الاجراءات للدفع بدفّةِ العمل ووضعِ الخططِ الكفيلة بهذا.
إن من المؤمّل تحقيقَ إسنادٍ دولي يساعد في المضي بهذه السياساتِ وتفعيلِ الخططِ والاستراتيجيات وبما نأمل أن يؤدي إلى اعتمادِ الطاقات المتجددة والآلياتِ النظيفة ويدعم جهودَ تقليل الانبعاثات ويُسهم بحفظِ البيئة وسلامةِ المناخ.
نؤكد هنا أهمية تبادلِ الخبرات ما بين الدول.
نؤكد أيضاً ضرورة تطوير الدعم الدولي العادل والساند لهذه الجهود.
إن حرصَنا جميعاً على بيئةٍ نظيفة هو بعضٌ من مسؤولياتِنا تجاه أجيالِنا القادمة، لأن البيئة النظيفة والموارد الطبيعية بما فيها المياه ملك لكل الاجيال.
أكرر شكري وتقديري للجهود المخلصة.
أحر تمنياتي بنجاح المؤتمر، وأن يكونَ خطوة مهمة في إطار الجهد الإنساني الرامي إلى تكريسِ الشراكة الفاعلة والمنتجة ما بين الجميع من أجلِ الحفاظ على الحياة ونقاءِ مناخ الكوكب.
والسلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه".