وجه رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، رسالة إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، فيما دعا الجميع إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا من خلال التعاون والتحاور البناء ، و ترك الانفعالات والاتهامات جانبا”.
وقال الحكيم في كلمة بمؤتمر مناهضة العنف ضد المرأة وحضرته الرشيد، ما نصه ادناه: ”
إن المناسبات الكبرى والمواقف الإنسانية العظيمة هي التي تخلد في التاريخ وتترك صداها ينتقل بين الأجيال وتعد محطات غنية بالعبر والدروس فتستحق بذلك الإستذكار والاستلهام في كل حين.
ومن هذه المحطات الكبرى يبرز اليوم الأول من شهر صفر وهو يوم دخول أسرة الرسول الأكرم (ص) سبايا و أسرى الى الشام ، لتترسخ تلك الأيام التي سجلها التاريخ حزنا و بطولة في آن واحد.
حزنا على تلك الجريمة النكراء بحق النساء و الأطفال والجرحى والمرضى والأسرى ، أسراً وعنفا وتعذيبا وترويعا وتجويعا ، وهي مفردات تحمل كل واحدة منها انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان في ذلك الزمان وفي عصرنا الراهن.
وبطولة لتلك المواقف التي صدرت من قادة الركب الحسيني الصامد وعلى رأسهم أعظم النساء وأشجع المخدرات وافصحهن السيدة زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام و شقيقة سيد الأحرار وإمامهم أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، التي وقفت بوجه الطغاة و البغاة لتصرخ فيهم وفي أشباههم بأن الظلم والعنف والاستبداد طريقه الى الزوال ، وإن العزة والكرامة و الإباء سبيلها الى الخلود والبقاء .. وهو ما تجسد على لسانها (سلام الله عليها).
إن تلك الجرائم الكبرى التي ارتكبت بحق السبايا وما سبقها في أرض كربلاء ، تحثنا على الاستذكار والاستلهام لوضع حد أمام جرائم العنف بكافة أشكالها ومناهضة هذه الظاهرة المقيتة في كل زمان ومكان.
إن أي عملية اصلاحية لمعالجة الظواهر السلبية في المجتمعات ومنها ظواهر( العنف ضد المرأة أو ضد الطفولة أو العنف الأسري بشكل عام) بحاجة الى ثلاثية ( التشخيص و المعالجة و التراكم) .
فعلى مستوى التشخيص : يجب على النخب والمهتمين بهذا الشأن البحث عن جذور الظاهرة وخلفياتها لوضع خارطة طريق صحيحة للمعالجة ، فمعرفة وتشخيص الجذور ستكون لها الحصة الأكبر في مسار التفكيك و التصحيح .
ويتحتم هنا وضع قائمة محددة ومركزة بتعاريف وأسباب ظاهرة العنف كمفهوم عام والعنف ضد المرأة والأسرة و الطفولة بشكل خاص للبدء بعملية المراجعة والمعالجة المجتمعية و القانونية .
إذ ليس المقصود بالعنف هو العنف الجسدي فقط ، كما هو مشاع في الأذهان بل يشمل العنف النفسي بكل أشكاله ، فالمضايقة والإكراه والتجميد والتهميش والتحديد غير المشروع للمرأة تعد مداخل بارزة لممارسة العنف ضدها وهي أشكال قد تكون أعمق من العنف الجسدي وتستدعي معالجات عديدة على المستوى الإجتماعي والثقافي والقانوني والقضائي و ليس إنتهاء بالمعالجات التربوية والصحية والإقتصادية .
إن التراكم الثقافي والإعلامي في إظهار مكانة المرأة وتعزيز أدوارها على مستوى الأسرة والمجتمع تمثل ضرورة ملحة ومقدمة صحيحة لمعالجة معوقات تقدمها وتمكينها و إستعادة حقوقها الإجتماعية .
كما أن تدعيم مكانة المرأة في الأسرة وإسناد أدوارها المجتمعية الهامة على جميع الأصعدة مع مراعاة الموازين الشرعية والأعراف الإجتماعية ورفع مستواها العلمي وتطوير إمكانياتها الذاتية هو من واجبات النخب السياسية و الثقافية والأكاديمية ، وقد دعونا في المؤتمرات السابقة الى ضرورة مناهضة العنف ضد المرأة بكافة أشكاله المادية و المعنوية ، ومازلنا ندعو إلى تمكين المرأة على جميع الأصعدة والمستويات ونشدد على ذلك.
فيما يخص الشأن السياسي :
لاشك أن تعقيدات الساحة واختلال التوازنات السياسية والاصطفافات التي حصلت عقب الانتخابات والصراع الإعلامي الدائر ، كلها أزمات قد أخذت مأخذها من البلاد وقتا وجهدا وترقبا ، وما زال المواطنون يترقبون الحل ونهاية الإنسداد السياسي ، الذي بات مضرا بمصالح الناس و معطلا لعمل مؤسسات الدولة .
إن رمي الاتهامات والتنصل عن المسؤوليات والتصعيد المفتوح كلها أمور لا تخدم المواطنين بشيء و لا تزيدهم إلا نفورا و حنقا على جميع الأطراف.
كما إن رفع سقف المطالب السياسية من دون وجود مشاريع واقعية وعملية لا يمثل مدخلاً لحل الملفات العالقة والضاغطة خدمياً و عمرانياً وإقتصادياً.
علينا جميعا أن ندرك بأن سياسات التزمت والتنمر ، لا يمكنها أن تكون بديلاً لما ينتجه الحوار ، لأننا لسنا أمام خيارات و توقيتات مفتوحة بل أمامنا خيار واحد هو أن نتقدم و نتجاوز الإشكاليات معا بإيثار و وعي ومثابرة مضاعفة .
وعلينا أن نتذكر دوما أن العراق أكبر منا جميعا و خيمته تستوعب الجميع و لا يمكن إختزال الوطن في قومية او مذهب او جهة دون أخرى .
إن حشد جميع الطاقات الإجتماعية والسياسية واستثمارها و توحيد بوصلتها تمثل الحل الأمثل لما نمر به، فكل الأطياف والكيانات يجب حضورها و فاعليتها في هذا الظرف الزمني الحساس و الخطير من عمر العراق.
إن حضور الجميع لايعني مشاركة الجميع في العمل الحكومي والتنفيذي على أسس المحاصصة والتوافقية السلبية وإنما يعني فاعلية الجميع في صنع القرار و دعم الإنجازات و النجاحات و تقديم التوصيات والمقترحات البناءة التي تقوى بها الدولة وتنجح بها الحكومة في خدمة المواطنين ومصالحهم.
لقد بينا سابقا و نؤكد اليوم مرة أخرى بأننا لانشارك في الكابينة الحكومية القادمة لا من منطلق الهروب من المسؤولية بل من منطلق فسح المجال أمام رئيس الحكومة لإختيار فريقه الناجح والمنسجم وسوف نساند وندعم كل إنجاز ونجاح يتحقق ، ونعده نجاحا لنا جميعا وسنؤشر على مكامن الخطأ من منطلق الحرص والنقد البناء بعيدا عن إضعاف الدولة ومؤسساتها ، وهو الأمر الذي دأبنا عليه في تقوية الدولة ومؤسساتها على الدوام.
إننا نؤكد دعوتنا إلى جميع الأطراف بتغليب المصلحة الوطنية العليا من خلال التعاون والتحاور البناء ، و ترك الإنفعالات والإتهامات جانبا .
علينا جميعا إحترام الرأي و الرأي الآخر ، وعدم الزهد بأي طاقة وطنية يمكنها المشاركة في صنع القرار وتقديم الأفضل من الرؤى والمشاريع .
ليس معيبا أن نختلف في الأفكار والرؤى ولكن من المعيب أن لا نجد حلا لمشاكلنا ولانحدد نقاط الإلتقاء المشتركة التي تجمعنا في بناء الوطن و صيانة مصالحه و تقوية الدولة .
إن العديد من المشاريع الوطنية المطروحة في ساحتنا التي تهدف الى تطوير النظام وتعديل المسارات وتصحيح الأخطاء هي مشاريع حقة نتبناها ونعتقد بضرورتها ونشارك الآخرين من القوى الخيرة في المضي بها قدما ، وقد طرحنا العديد منها في العقد المنصرم.
ولانزال نعتقد بأهمية تحقيق عقد إجتماعي و سياسي جديد ، أكثر رصانة وتطورا وإجماعا ، ومازلنا ندعو الى مراجعة وتطوير العديد من البنود الدستورية التي أثبتت التجربة أنها منقوصة أو غير عملية ،ونؤمن بوجوب التحالفات الوطنية العابرة للمذهبية و القومية ، ونؤكد على وجوب تجاوز المحاصصة السلبية من خلال ثنائية ( الأغلبية الفاعلة و المعارضة البناءة)، كما نتبنى ضرورة التمثيل العادل والمتوازن للمكونات الإجتماعية وإدارة التنوع في بلادنا.
كل هذه المشاريع وغيرها طرحناها ونظرنا لها وبادرنا بمفاتحة جميع الجهات بها سابقا ونكرر موقفنا بضرورة المضي بها وفقا للأسس التالية :
أولا / التدرج الآمن و المنطقي :
نحن نؤمن بأن المشاريع الكبرى في ظل الأنظمة الديمقراطية بحاجة الى ثلاثية الإنضاج والإجماع والتقنين ، ولايمكن الإستعجال والإنفراد في المضي بها وتجاوز الأطر القانونية في فرضها او تمريرها .
إن مشاريع كبيرة كالتعديلات الدستورية و القوانين الحساسة والإستراتيجيات الوطنية تحتاج الى مشاركة فاعلة من جميع المكونات الإجتماعية و النخب الأكاديمية و الثقافية والشبابية للمضي بها في بيئة مستقرة غير منفعلة، وهي لا تنحصر في الوجود البرلماني و السياسي فحسب وإنما هي قضايا وطنية تستدعي مشاركة حقيقية من الجميع.
ثانيا:الحوار والتفاهم:
إن عملية التصحيح والتغيير في الأنظمة الديمقراطية تقوم على حوارات فاعلة وإنفتاح على الرأي و الرأي الآخر، وأما فرض الإرادات وتبادل الإتهامات و قطع جسور الحوار فهي سدود منيعة أمام أي تحول سياسي وإجتماعي إيجابي و آمن في البلاد.
ثالثا : التوقيتات الصحيحة:
إن التحول الديمقراطي الآمن بحاجة الى بيئة سليمة وتوقيتات صحيحة ، فالمطلوب هو أن ننتقل الى مرحلة أكثر إستقرارا وقوة و إزدهارا لا أن نفرض على الدولة والمجتمع مشاريع آنية ومنفعلة تخرجنا من أزمة عميقة الى أزمات أعمق وأكثر تعقيدا .
نحن بأمس الحاجة الى تهدئة النفوس قبل تعديل النصوص وتصفية النوايا قبل تصفية الحسابات وتقبل الآخر بدلا من حذفه أو تجاهله ، وإلى المشاركة والتعاون بدلا من التنافر و التقاطع .
رابعا : الثقة المتبادلة:
إن إنعدام الثقة والتشكيك بالآخر وإحتكار حق التغيير وتجاهل الآخرين تمثل عوائق صادمة ومعطلة لأي تحول إيجابي في البلاد.
أدعو جميع الأطراف والشركاء والإخوة الذين لا أشك في إخلاصهم و وطنيتهم ونواياهم الطيبة الى تغليب مصلحة الوطن ومصافحة أيادي المحبة والأخوة والاستناد لبعضنا لنتجاوز الأزمات الراهنة معاً نحو مستقبل آمن و مزدهر لأبناء شعبنا.
كما أوجه رسالة محبة وتقدير لأخينا السيد مقتدى الصدر وأبناء التيار الصدري الكرام وأقول لهم: ( كنا وما زلنا و سنبقى أبناء وطن واحد و تاريخ واحد وأسرة واحدة ، لايجب أن يفرقنا إختلاف الآراء وسوء الفهم ولا تمزق وحدتنا أيادي الفتنة والجهل والبغضاء)
لم نزهد يوما بعلاقاتنا الأخوية معكم ، على الرغم من التصعيد الإعلامي والممارسات الخاطئة التي صدرت بحقنا وبحق مؤسسات الدولة وتعطيلها ، وكنا مع إخوة آخرين من القوى الوطنية في الإطار التنسيقي وفي غيره أول المبادرين لإقناعكم بالعدول عن مقاطعة الإنتخابات وأول المهنئين لكم بفوزكم فيها وأول الداعمين لمشروع الأغلبية الوطنية بشروطها المطلوبة ومنها حفظ مكانة المكون الإجتماعي الأكبر .
وسبق أن كنا حلفاء في ميادين إجتماعية وسياسية عديدة منذ سنوات طوال ونقدر ونحترم مكامن الإختلاف في وجهات النظر ولا نرى ذلك سبباً لأي تشنج أو إتهام او تشكيك .
وما زلنا نعتقد مع الإخوة في الإطار التنسيقي بأهمية أبناء التيار الصدري وحضورهم وفاعليتهم في مراكز القرار والعمل في مؤسسات الدولة لا وفقا لإستحقاقهم الإنتخابي فحسب بل لوجود الطاقات الخيرة والوطنية في هذا التيار .
ما أعرفه من إخوتي في الإطار التنسيقي أنهم بذلوا ويبذلون أقصى الجهود للحفاظ على اللحمة الوطنية و وحدة المكون الإجتماعي الأكبر والشراكة الحقيقية في القرار وستبقى أبواب المحبة والأخوة مفتوحة ويمكن الخروج بخارطة طريق مرضية للجميع تتخذ من المصلحة الوطنية هاجساً وهدفاً.
إن الذهاب إلى إنتخابات مبكرة بحاجة الى تمهيدات ومناقشات برلمانية وقانونية تجعل من هذا الخيار مسارا عمليا آمنا و مقبولا من جميع الشركاء وهو خيار قابل للمناقشة والتفاهم والتنفيذ بعد تشكيل الحكومة الجديدة وتعديل قانون الإنتخابات وضمان سلامة أداء المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات وتوفير المتطلبات اللوجستية والفنية المطلوبة لإجراء إنتخابات نزيهة تعالج أخطاء الأمس القريب وإقرار الموازنة العامة للبلاد.
أدعو جميع الأطراف الى أعلى درجات ضبط النفس سياسياً وشعبياً وإعلامياً وفسح المجال لتغليب العقل والمنطق والتفاهم ، فبلادنا أتعبتها الحروب والصراعات والمهاترات وشعبنا ينتظر منا بشائر الخير والحلول والخدمات .
سلاما لشعبنا الأبي وقواتنا المسلحة الباسلة وحشدنا الشعبي ومرجعيتنا العليا وسلاماً لشهدائنا الأبرار ولاسيما الشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.