أكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ان قرار تغيير سعر صرف الدولار ليس قرار الحكومة وسبقته دراسات واتخذ بمشاركة جميع القوى السياسية، فيما اشار ان ملف السلاح المنفلت شائك ويحتاج الانصاف.
وقال الكاظمي في مقابلة مع الصحيفة الرسمية وتابعتها الرشيد، انه"علينا أنْ نفرِّق أولاً بين السياق الدستوري وأزمة العملية السياسية، أتصور أنَّ الانسداد الحقيقي هو في عدم تطوير العملية السياسية التي تشكّلت على أساس توازنات ورؤى ليست بالضرورة صالحة لكلِّ وقت، لكنَّ بعضها خلقته ظروف البلد. وسبق أنْ تحدثت عن أنَّ الأزمة الحالية هي في جوهرها «أزمة ثقة»، لأنَّ القوى السياسية بإمكانها الخروج من الانسداد السياسي الحالي وتقديم تضحيات أو تنازلات هنا أو هناك، لو كانت هناك ثقة مشتركة تؤطر الوضع السياسي العراقي، لذا، أعتقد أنَّ الحلَّ لا يكون في الخطابات السياسية، وإنما في محاولة استعادة الثقة. والثقة، هنا، لا تعني ضرورة المشاركة أو تشكيل الحكومة من عدمها، بل إنَّ استعادة الثقة تعني أنَّ كلَّ من في الحكومة أو في المعارضة يعدّ أنَّ الدستور والقوانين والثوابت الوطنية ومؤسسات الدولة هي المرتكزات الأساسية التي يستند إليها، نحتاج إلى أجواء جديدة ومناقشات عميقة تخصّ مجمل الوضع السياسي، ومن بين ذلك الاتفاق على تعديلات دستورية جوهرية لكي نبدأ خطوات استعادة الثقة، ومن ثم إنهاء الانسدادات السياسية سواء اليوم أو في المستقبل".
وبشأن الورقة البيضاء، اوضح الكاظمي، انه"علينا أولاً أن نضع في الحسبان أنَّ الحكومة الحالية التي شُرِّفت برئاستها جاءت في وضع استثنائي، وكانت أمامها مهمة أساسية ورئيسة هي الوصول إلى انتخابات حرّة ونزيهة، ولم تكن (الحكومة الحالية) مطالبة بإجراء تحوّلات اقتصادية في بنية اقتصادية تراكم الخلل فيها أو اقتراح إصلاحات اقتصادية كبيرة. ويتذكّر الجميع الظروف الاستثنائية التي جاءت في ظلّها الحكومة: أزمة اقتصادية خانقة وانخفاض أسعار النفط، وتفشّـي وباء «كورونا» الذي أثر في كل دول العالم وفي كل مناحي الحياة بشكل غير مسبوق. وفي الحقيقة، كنت من الشهر الأول من عمر الحكومة مطالباً بتوفير الأموال اللازمة لدفع مرتّبات الموظفين والمتقاعدين ومستحقي مخصّصات الرعاية الاجتماعية ومصروفات الدولة الأساسية وإجراءات مكافحة وباء «كورونا» ومستلزمات الأمن الأساسية، وهي بحدود 10 – 12 ترليون دينار شهرياً، في المقابل، لم تتجاوز موارد الدولة في حينها، لا سيما في القطاع النفطي، ترليون دينار فقط بسبب انهيار أسعار النفط، نعم، تجاوزنا هذا الواقع المرير بكلِّ السبل الممكنة وبكلِّ الطرق المتاحة، ولكن لا أستطيع أن أكون شاهد زور أمام أبناء شعبنا، ولست من النوع الذي يراهن على خداع الناس وتضليل الرأي العام. لذا قلت وأقول دائماً إنَّ البنية الاقتصادية في العراق تحتاج إلى إصلاح شامل حتى نواجه المستقبل ونستعدّ لكل الأزمات والمعوّقات إن تكرّرت ونجحنا خلال عامين من عمل الحكومة في تحقيق أعلى معدل نمو اقتصادي على مستوى الدول العربية بحسب تقارير صندوق النقد الدولي التي توقعت أن يصل معدل النمو الاقتصادي في العراق إلى نسبة 9,5% خلال عامي 2022 و2023 وجاء هذا النمو بناءً على بدايات إصلاحية، لا نقول إنها كانت بلا أخطاء، لكنها أسّست لمنهج إصلاحي علمي وضعت لبناته الورقة البيضاء ووللأسف، كثيرون ممن انتقدوا الورقة البيضاء لم يتكبّدوا عناء قراءتها ولم يحاولوا مناقشتها، وهي في النهاية ليست نصّاً مقدساً، بل محاولة لإنقاذ اقتصاد هذا البلد، وهذه الورقة (البيضاء) قابلة للتعديل والإضافة والتحديث بحسب التطورات الاقتصادية المحلية والدولية. قلنا إنَّ استمرار الاعتماد على النفط الذي يموِّل 95% من الموازنة العامة للبلاد جريمة كبيرة وإجحاف لا يمكن قبوله بحقِّ هذا الجيل في العراق والأجيال القادمة، لهذا حاولنا تقليص اعتماد الموازنة على النفط ونجحنا جزئياً، ويجب أن يستمرَّ هذا التقليص لتكون موارد النفط لصالح صندوق الأجيال وليس للاستهلاك الشهري غير الستراتيجي".
وعن قرار تغيير سعر صرف الدولار، بين رئيس الوزراء، انه"لا بدَّ من القول إننا لم نضع في عملنا الاقتصادي أيَّ أهداف انتخابية أو ترويجية، ونقول إنَّ الإصلاح الحقيقي لن يتحقق من دون معاناة وأضرار، وهذا هو الواقع. لكننا مع الإصلاح الحقيقي المتوازن الذي يحتاج إلى معالجات للأضرار الجانبية التي تحدثها القرارات المهمة، لذلك في موازنة عام 2021، على سبيل المثال، وبالتزامن مع تغيير سعر صرف الدولار، قمنا برفع مخصصات الرعاية الاجتماعية في قانون الموازنة العامة إلى 3 ترليونات دينار، وهذا الرقم خُصِّص للفئات التي توقعنا أن تكون الأكثر تضرراً بناءً على دراسات متخصصة، ولم نكن نزايد على أحد، لكننا كنا نعالج الآثار السلبية لارتفاع سعر الصرف وتحسين الأوضاع المعاشية لمحدودي الدخل. لكنَّ الإخوة في مجلس النواب السابق رفضوا الاستماع إلى دفوعاتنا بهذا الخصوص وقاموا بتقليص المبلغ إلى أقلّ من 700 مليار دينار فقط. كما خفضوا في الوقت نفسه الموازنة الاستثمارية التي كان هدفها إنعاش سوق العمل وتحريك المشاريع وتدوير عجلة الاقتصاد المحلي وتفعيل دور القطاع الخاص، ولهذا نقول مرةً أخرى، بالعودة إلى مفهوم الثقة في العمل السياسي، إنَّ البلاد لا يمكن لها أن تتقدَّم من دون بناء الثقة على جميع المستويات، ولا سيما في العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية لتحقيق الانسجام في خطوات الإصلاح ومنع التصادمات أو الاجتهادات التي قد تكون لها نتائج سلبية ويعلم الجميع أنَّ تغيير سعر الصـرف لم يكن قراراً كيفياً ولا قرار هذه الحكومة، بل سبقته دراسات استمرَّت سنوات، وتمَّت مشاركة كلِّ القوى السياسية ومجلس النواب قبل اتخاذه، بناءً على حقيقة أنَّ أسعار النفط قد لا تُلبي في أوقات الأزمات الحدود الدنيا من متطلبات شعبنا، وأننا بحاجة إلى العمل معاً لتقويم الاقتصاد العراقي".
وتحدث الكاظمي عن انجازات في مواجهة السلاح المنفلت وقال، ان" اتهامنا بعدم محاربة السلاح المنفلت تعوزه صفتان هما المصداقية والإنصاف والمصداقية لأنَّ من يُطلقه عليه أولاً أنْ يراجع كلَّ الخطوات التي اتخذتها الحكومة في ملفِّ السلاح المنفلت، وأنْ يستحضر حقيقة أنَّ هذا ليس قراراً وقتياً وآنياً تتخذه السلطات، بل هو ملفٌّ شائك ومعقد ويحتوي على أبعاد سياسية واجتماعية ودينية، وعلى الحكومة مواجهته بمستويات عدَّة وبرؤية صبورة وتراكمية في الفعل الأمني ومن يراجع الظروف عام 2020 بمصداقية وبعيداً عن أجواء الانتهازية والاستعراض، لا بدَّ له أنْ يعترف بحصول تطور كبير في الملفِّ الأمني على كلِّ المستويات، ابتداءً من إعادة ضبط مخرجات الأزمة الاجتماعية التي أفرزتها التظاهرات الشعبية بين عامي 2019 و2020، ومن ثمَّ استعادة الثقة التي كانت مكسورة بين الشعب والمؤسسات الأمنية، وبتجفيف منابع الإرهاب وكسر شوكته ومحاصرة الخارجين عن القانون والعمل على تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.
وأقول إنَّ هذا الاتهام يعوزه الإنصاف أيضاً لأنَّ كلَّ منصفٍ عليه أن يستعرض نشاطات القتل والإرهاب والجريمة المنظّمة والاضطراب الأمني عام 2019 – 2020 ويقارنها بالواقع الذي نعيشه الآن، لا نملك العصا السحرية لتغيير الواقع بضربة واحدة، لكننا وضعنا أسس الحياة الطبيعية، وهذه الأسس تحققت بعد خطوات كثيرة ومحاسبات قانونية عدَّة. هنالك اليوم ضباط ومنتسبون وموظفون محكومون بالإعدام أو المؤبد بعد أن طبِّق عليهم القانون، وهنالك مجرمون تجري محاكمتهم بسبب تجاوزهم على القانون كما هي الحال مع فرق الموت في محافظة البصرة وقتلة هشام الهاشمي وعصابات الجريمة المنظمة وغيرهم كثير، ناهيك عن الإرهاب المتربّص والسؤال هنا: هل كلُّ هذا يكفي؟ الإجابة: لا. بالتأكيد نحتاج إلى المزيد من العمل لإعادة الأمور إلى نصابها بالكامل وإخضاع الجميع لسلطة القانون. والسؤال الآخر: ألم يتحقق شيء في هذا الملفِّ؟ هنا أترك الإجابة ليس للاجتهادات السياسية أو الاستعراضات الإعلامية، بل إلى الشعب العراقي الذي بات أكثر تمسكاً بالقانون وأكثر تمسكاً بالدولة وتفهماً للظروف المعقدة وحقل الألغام الذي سارت فيه هذه الحكومة، وبالتالي، لا أطلب الإنصاف الإعلامي أو السياسي لأنني متيقن وواثق بأنَّ شعبنا هو المنصف".
وفي رده عما اطلق عليها البعض بـ"تغريدة الوداع"، استطرد الكاظمي: "أقول بصـراحة إنني شخصياً، وأتحمل المسؤولية، عارضت ورفضت كلَّ الطلبات التي كانت تريد مني المشاركة في الانتخابات، وبعضها كان من فريق العمل الخاص بي، ومن قوى سياسية ونواب. وكان الجميع يعتقد أنَّ السياق الطبيعي هو مشاركة رئيس الحكومة في الانتخابات وتحقيق فارق في مقاعد البرلمان. ولكن قلت في حينها وأكرِّر ذلك اليوم، إنني كُلّفت بتشكيل حكومة في ظلِّ أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية طاحنة هدَّدت كلَّ العراق، وكان الهدف الوصول إلى خارطة طريق خاصة تقود إلى انتخابات عادلة وشفافة وتقود البلد إلى برِّ الأمان، القرار الذي اتخذته في لحظة التكليف بأنْ تكون هذه الحكومة منظمة للانتخابات وليست طرفاً فيها. ولو كنت شاركت في الانتخابات، لكنت قد نكثت العهد أمام الشعب، وأزعم أنني لا أنكث العهود. وفي ما يتعلق بالشطر الأول من السؤال، فإنَّ إجابته ترتبط أيضاً بشطره الثاني. التغريدة التي أطلقتها تترجم المبادئ الأساسية لأيِّ نظام ديمقراطي، وهي أنَّ الانتخابات تمثل المخرج الطبيعي للأزمات السياسية، وأنَّ آليات تشكيل الحكومة يجب أنْ تستكمل كما حددها الدستور. ترأست حكومة لمرحلة انتقالية وقمت بما يُرضي ضميري في أداء مهامّي في هذه المرحلة، أما على المستوى السياسي فإنَّ الحديث لا يزال مبكراً بهذا الخصوص".
وفيما يتعلق بموازنة العام الحالي، اضاف الكاظمي: " هذا الموضوع كان محلَّ نقاش خلال المدَّة الماضية، ونعتقد أنَّ من الأفضل لو كانت هناك حكومة كاملة الصلاحيات تقدم مشروع قانون موازنة عام 2022 بالشروط والمواصفات التي يتطلبها مشـروع الإصلاح الاقتصادي والتحولات والتحديات السياسية والاقتصادية الحاصلة في العراق والعالم. أما بخصوص ترحيلها إلى الحكومة المقبلة فإنَّ الأمر يعتمد على سرعة تشكيل تلك الحكومة، وهناك حلول قانونية آنية يمكن من خلالها تجاوز الأضرار التي تحصل بسبب غياب الموازنة والحقيقة أنَّ إعداد قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي وتقديمه إلى مجلس النواب كان بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبّبتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات عالمياً وعدم القدرة على تشريع الموازنة في الوقت الراهن، ولهذا فإنَّ قانون “الأمن الغذائي” سيـمكن الحكومة من تجاوز معوّقات الأزمة الحالية وتوفير الغطاء لدعم الطبقات الفقيرة ودعم البطاقة التموينية وتمويل العديد من المشاريع الستراتيجية المهدَّدة بالإيقاف بسبب نقص التمويل".
وزاد: "إذا جاز لي أنْ استخدم مصطلح «كلمة السرِّ»، فإنَّ هذه الكلمة هي الكلمة التي أستخدمها على المستوى الداخلي، وهي الثقة والمصداقية أيضاً. البعض كان يفهم السياسة على أنها مشـروع انتهازيّ، وهذا مفهوم خاطئ تماماً. أعتقد أنَّ للسياسة جوانب أخلاقية كثيرة وأهمّ هذه الجوانب هي البناء على المشتركات وصناعة الثقة.
لا يمكن لدولة أنْ تنمو بشكل طبيعي بعيداً عن جيرانها، وكلّ دول العالم لا بد لها من أنْ تمتلك علاقات جيدة وسليمة مع الجميع. العراق حباه الله بموقع جيوستراتيجي مهمّ في المنطقة والعالم، وهذا الموقع يوجب علينا أنْ نكون نقطة التقاء وليس نقطة تقاطع. ولكن للأسف كنّا نقطة تقاطع لعقود طويلة قبل عام 2003، ووصلنا إلى حدود خطيرة بتهديد العراق بأنْ يكون ساحة لحرب مباشرة بين دول مختلفة، لذلك حاولنا تكريس مفهوم التلاقي، وبالمناسبة لم نفعل شيئاً غير ما ذكره الدستور العراقي الذي نصَّ على أنْ يحتفظ العراق بعلاقات متوازنة مع الدول الأخرى ويبتعد عن سياسة المحاور الدولية، وألا يكون مصدر تهديد لجيرانه والعالم وإقامة علاقات خارجية على أساس المصلحة والاحترام المتبادل، وإضافة إلى كلِّ ذلك حاولنا أنْ نبني تلك العلاقات بطريقة دولة مع دولة وبأسلوب مؤسساتي لا فردي، والحمد لله تمكنّا من تحقيق علاقات متميزة مع كلِّ الدول التي تلمَّست جدية ما يطرحه العراق من رؤى ومشاريع تقوم على الشراكة في المصالح، ورفض تحويل العراق إلى ساحة صراعات، بل حاولنا خلق أجواء إيجابية صحية مع الجميع تؤدي في المحصلة إلى خلق فرص الاستثمار والتكامل الاقتصادي والعمل لا يزال مستمراً في ملفِّ العلاقات الخارجية وهو يحتاج إلى المزيد من الجهد لإكمال ما بدأنا به".
وختم الكاظمي حواره بالحديث عن الوساطة بين إيران والسعوديَّة التي تبناها العراق واضاف: "نعم، العراق لديه مصلحة مباشرة في تحقيق تفاهمات بين دول المنطقة وتحقيق الاستقرار الإقليمي، ولأننا نمتلك علاقات جيدة مع الطرفين ومع أطراف إقليمية ودولية متباينة، تمكنّا من إيجاد أجواء حوار إيجابية على أرض العراق، الكثير منها لم يعلن عنه.
الإخوة في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية يتعاملون مع ملفِّ الحوار بمسؤولية عالية ومتطلبات الوضع الحالي للمنطقة، ونحن واثقون بأنَّ التفاهم بات قريباً إنْ شاء الله، وهناك انفراجة حقيقية واسعة في العلاقات بين كلِّ دول المنطقة، مدعومة بقناعة راسخة ونيّات سليـمة بأنَّ مستقبل المنطقة يعتمد على البدء بالنظر إليها كمنظومة مصالح متلاقية وليست متقاطعة، وأنَّ هذه المنظومة لا يمكنها التفرغ للبناء الاقتصادي واللحاق بالتطور العالمي من دون أنْ تحلَّ مشكلاتها وتصفّر أزماتها".