كركوك خامس أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان، وتعتبر إحدى أهم المدن النفطية في البلاد ومن المدن التي تمتاز بالتنوع السكاني، وقد شهدت المنطقة في العقود الماضية تغييرات ديموغرافية واسعة، خاصة بعد اكتشاف النفط فيها، فما هي القضايا التي تشغل الشارع الكركوكلي، وما هي ابرز الدعاوى التي تتصدر اهتمام المحاكم هناك؟
ويقول القاضي قاسم محمد سلمان رئيس محكمة استئناف كركوك الاتحادية في حديث للقضاء وتابعته”الرشيد” إن “أهم القضايا التي تنجزها رئاسة استئناف كركوك الاتحادية هي قضايا الإرهاب، ولدينا محكمة تحقيق كركوك أصبح التحقيق فيها بقضايا الإرهاب (تحقيقا مركزيا) بعدما كان التحقيق يتم في محاكم الأطراف التابعة لهذه الرئاسة، وهذه آلية جديدة تعمل بها الرئاسة ويتولى التحقيق فيها قضاة تحقيق أكفاء وذوو خبرة في مجال التحقيق ويشغلها حاليا ثلاثة قضاة مختصين بالتحقيق في جرائم الإرهاب”.
وأضاف “تتم بعد ذلك إحالة الدعاوى المنجزة إلى محكمتي جنايات كركوك الأولى والثانية حسب التخصص المكاني لمكان وقوع الجريمة، وقد أصدرت محاكم الجنايات العديد من الأحكام تنوعت مابين (الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت) حسب كل حالة وحجم الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون”.
ويضيف رئيس الاستئناف إن “قضية حيازة وتهريب المخدرات من القضايا المهمة التي تنظرها محاكم تحقيق كركوك، وتأتي بالمرتبة الثانية بعد قضايا الإرهاب، وأيضا صدرت أحكام عديدة في ما يخص المتاجرة بالمخدرات وكذلك موضوع تعاطي المخدرات من قبل محاكم الجنح”.
ويشير رئيس الاستئناف إلى أن “جرائم المخدرات تعتبر من الجرائم الحديثة إذ بدأت تنتشر في العقد الأخير، ولم تكن موجودة قبل العام 2003 وحتى في السنوات التي تلت هذه المدة لم تكن ظاهرة إلى العيان أو منتشرة إلا بعد العام 2010 إذ بدأت تنمو هذه الظاهرة وتفاقمت قضاياها”، لافتا إلى أن “هذه القضايا تعتبر على الأغلب دعاوى فردية لأشخاص متاجرين أو متعاطين ألا إن التحقيقات أثبتت وجود بعض العصابات المنظمة وهناك تعاون بين القوات الأمنية والقضاء لمكافحة هذه الظاهرة لخطورتها والتأكيد عليها كونها تمس شريحة الشباب المهمة في النسيج الاجتماعي”.
ويواصل القاضي أن “المحاكم التابعة للاستئناف تنظر القضايا المجتمعية الأخرى مثل سائر بقية الاستئنافات كجرائم القتل التي تتراوح أحكامها بين الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت وتعتبر جرائم قليلة في المحافظة وأيضا يجري فيها التحقيق في محاكم التحقيق وتحال إلى الجنايات”.
وفي ما يخص محكمة النزاهة والجريمة الاقتصادية هناك ذكر أن “أحكاما عديدة صدرت ضد موظفين ومسؤولين، ولدينا محكمة جنح وجنايات مختصة في قضايا النزاهة”.
وعن قضايا ودعاوى حالات تزوير نقل الملكية والعقارات التي طالت العديد من ممتلكات المكونات المختلفة لشرائح الشعب وبعض العائلات التي غادرت البلاد والمحافظة، أجاب القاضي أن “تلك الحالات فردية وقليلة وليست هناك دعاوى عديدة حولها بل أنها اقل من باقي المحافظات على الرغم من التنوع النسيجي لشرائح مجتمع محافظة كركوك”.
وفي ما يخص موضوعة الزواج الطلاق، يقول القاضي إن “دعاوى الأحوال الشخصية في المحافظة دعاوى عامة ولا توجد بها أي إشكاليات والتزاوج بين مكونات كركوك كالعرب مع الكرد أو التركمان أو حتى الأقليات الدينية الأخرى لا تشهد أي مشكلات، وإجراءات الزواج والطلاق هي ذاتها في محاكم العراق كافة، ولا توجد قضايا نوعية بهذا الخصوص”، ويلفت إلى أن “المحافظة تشهد حالة تعايش تام والعلاقات طيبة بين القوميات والمكونات عكس ما يفكر به من يسكن خارجها”.
وعن البنية التحتية للقضاء في المحافظة ذكر القاضي أن “المحكمة حاليا تشغل بناية تابعة للأوقاف وتتم إجراءات الإشغال منذ عام 1986، وبعد ذلك تم تخصيص قطعة ارض مطلع عام 2010 وتم إنشاؤها بتمويل من محافظة كركوك اكتملت كبناية وهي الان قيد التجهيز بالأثاث والمستلزمات ليتم افتتاحها والانتقال لها بالقريب العاجل وبإشراف من مجلس القضاء الأعلى، وهي بناية كبيرة تسع لجميع محاكم استئناف كركوك من محاكم (تحقيق وجنايات ومحاكم بداءة وأحوال شخصية.. الخ)، أيضا هناك نية لإنشاء محكمة جنايات كبرى وهناك متابعة مع المحافظة لتنفيذ هذا المشروع بموافقة مجلس القضاء الأعلى”.
وعن عدد المحاكم يشير إلى أن “محكمة استئناف كركوك الاتحادية تحوي عشر محاكم خارج المركز منها أربع في الحويجة وكوبري والدبس”.
ويلفت القاضي إلى أن “مجلس القضاء الأعلى تأثر كسائر الكوادر الوظيفية للدوائر الأخرى بقلة الموظفين بسبب الأزمة الاقتصادية وتأخر إقرار الموازنات فمحكمة استئناف كركوك بحاجة إلى رفدها بموظفين ومحققين وقضاة”، مؤكدا على “ضرورة زيادة عدد القضاة المقبولين في المعهد القضائي”، أيضا لفت إلى أن “الدوام في استئناف كركوك انتظم وأصبح بشكل يومي كامل بعد جائحة كورونا وما رافقها من تخفيض لنسبة الدوام والتعطيل بسبب الحظر”.
وفي محور آخر، يؤكد القاضي أن “العمل بعقود الزواج الالكترونية جرى منذ تعميم النظام في مجلس القضاء وحاليا يعمل به في المركز وسيتم تعميمه على باقي محاكم الأقضية والنواحي”، مشيرا الى أن “استئناف كركوك مواكبة للتطور في العمل القضائي ببقية المحافظات والمحاكم تعمل بالضبط الالكتروني منذ أن بدأ العمل به”.
وبشأن قضايا الموقوفين أكد أن “هناك تعاونا مشتركا مع الجهات الأمنية للتعاون وهناك زيارات دورية للمحاكم والمواقف للوقوف على حالات الموقوفين لمتابعة مدى مراعاة جهات التوقيف لمبادئ حقوق الإنسان”، لافتا إلى “اتخاذ الإجراءات القانونية ضد بعض المخالفين من الضباط أو الجهات ذات العلاقة”.
وعن قضايا الأراضي الزراعية، ذكر رئيس الاستئناف “أنها تعد من القضايا المهمة والتي برزت داعوها في أضابير المحاكم وكانت تعد سابقا من اختصاص محاكم مختصة فهي كانت بعهدة هيئة نزاع الملكية قبل عام 2007، لكنها تحولت إلى محاكم البداءة في كركوك”.
ويؤكد رئيس الاستئناف أن “القانون والقضاء هو من يحسم هذه المشكلة حيث الكثير من المواطنين لاسيما السكان الأصليين من الذين تم طردهم عام 2003 من مختلف القوميات ولديهم الأوراق والمستمسكات الثبوتية استعادوا عقودهم الزراعية رسميا بعد تقديمهم شكاوى للقضاء”.
ويلفت القاضي الى أن “موضوع العقود الزراعية موضوع ذو إشكالية وحاليا محاكم البداءة والاستئناف متجهة على وفق اتجاهات محكمة التمييز لخلق التوازن بين مختلف القوميات الموجودة في محافظة كركوك”.
وينوه القاضي الى أن “إشكاليات ودعاوى الأراضي الزراعية هي من المواضيع والدعاوى القديمة وان محاكم البداءة تصدر القرارات فيها على وفق اتجاهات محكمة التمييز، مشيرا إن “هناك عقودا تبقى مجمدة كون المتعاقد ليس من سكان كركوك أما من هو ساكن بالأصل ونفوسه كركوك فيحق له رفع التجميد إلا إذا (استلم تعويض من اللجنة) وهنا يعتبر انه استلم مستحقاته ولا يحق له رفع التجميد وهذا ما يخص فقرة تجميد العقود الزراعية”.
ويوضح القاضي أن “هذه العقود كانت مبرمة سابقا وجمدت بموجب احكام المادة 140 من الدستور لكن أصحاب العقود المجمدة بدأوا برفع دعاوى لدى المحاكم برفع التجميد فكان اتجاه محكمة التمييز طالما أن الشخص هو من سكنة محافظة كركوك الأصليين ما لم يكن وافدا فلا يوجد مبرر لبقاء التجميد على الأرض المتعاقد عليها إلا في حالة استلامه تعويضا عادلا بأنه تنازل عن عقده هنا لا يمكن أن يرفع التجميد عن عقده”.